للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان سعيد بن عتبة بن حصين إذا حضر باب أحد من السلاطين جلس جانبا؛ فقيل له: إنّك لتتباعد من الآذن جهدك؛ فقال: لأن أدعى من بعيد خير من أن أقصى من قريب. قال بعض الشعراء:

رأيت أناسا يسرعون تبادرا ... إذا فتح البوّاب بابك إصبعا

ونحن جلوس ساكنون رزانة ... وحلما إلى أن يفتح الباب أجمعا

وقيل لمعاوية: إنّ آذنك ليقدّم معارفه فى الإذن على وجوه الناس؛ قال:

وما عليه! إنّ المعرفة لتنفع فى الكلب العقور والجمل الصّؤول، فكيف رجل حسيب ذو كرم ودين! ونظر رجل إلى روح بن حاتم وهو واقف فى الشمس عند باب المنصور، فقال له: لقد طال وقوفك فى الشمس؛ فقال: ذلك ليطول جلوسى فى الظلّ.

[ذكر ما قيل فى الحجاب]

قال خالد بن عبد الله القسرىّ أمير العراق لحاجبه: إذا أخذت مجلسى فلا تحجبنّ عنى أحدا، فإنّ الوالى يحتجب عن الرعيّة لإحدى ثلاث: إمّا لعىّ يكره أن يطّلع عليه، وإما لبخل يكره أن يسأل شيئا، وإما لريبة لا يحبّ أن تظهر منه.

وقال زياد لحاجبه: ولّيتك حجابتى وعزلتك عن أربع: المنادى إلى الصلاة والفلاح، [لا تفرّجنّه عنّى فلا سلطان لك عليه [١]] ، وطارق الليل [لا تحجبه فشرّ ما جاء به، ولو كان خيرا ما جاء به تلك الساعة [١]] ، ورسول الثّغر فإنّه إن أبطأ ساعة فسد عمل سنة فأدخله علىّ وإن كنت فى لحافى، وصاحب الطعام فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد.


[١] زيادة عن العقد الفريد ج ١ ص ٢٧