للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمرين. فإن اقترن بها ما يقوّيها، فلما يقترن بها من القوّة ستّة أحوال تختلف بها قوّة الدّعوى على التدريج.

فأوّل أحوالها- أن يظهر معها كتاب فيه شهود معدّلون حضور. والذى يختص به نظر المظالم فى مثل هذه الدعوى شيئان. أحدهما: أن يبتدئ الناظر فيها باستدعاء الشهود للشهادة. والثانى: الإنكار على الجاحد بحسب حاله وشواهد أحواله. فاذا حضر الشهود، فإن كان الناظر فى المظالم ممن يجلّ قدره، كالخليفة أو وزير التفويض أو أمير الإقليم، راعى من أحوال المتنازعين ما تقتضيه السياسة: من مباشرته النّظر بينهما إن جلّ قدرهما، أو ردّ ذلك الى قاضيه بمشهد منه إن كانا متوسّطين، أو على بعد منه إن كانا خاملين.

حكى أنّ المأمون كان يجلس للمظالم فى يوم الأحد، فنهض ذات يوم من مجلسه فتلقّته امرأة فى ثياب رثّة، فقالت:

يا خير منتصف يهدى له الرّشد ... ويا إماما به قد أشرق البلد

تشكو إليك عميد [١] الملك أرملة ... عدا عليها فما تقوى به أسد

فابتزّ منها ضياعا بعد منعتها ... لمّا تفرّق عنها الأهل والولد

فأطرق المأمون يسيرا ثم رفع رأسه وقال:

من دون ما قلت عيل الصّبر والجلد ... وأقرح القلب هذا الحزن والكمد

هذا أوان صلاة الظّهر فانصرفى ... وأحضرى الخصم فى اليوم الذى أعد

المجلس السبت إن يقض الجلوس لنا ... أنصفك منه وإلّا المجلس الأحد


[١] كذا فى الأحكام السلطانية وفى الأصل: «عقيد الملك» وورد هذا البيت فى العقد الفريذ (ج ١ ص ١٢) هكذا:
تشكو اليك عميد القوم أرملة ... عدا عليها فلم يترك لها سبد