للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

: وهى المناسبة التامّة فى «ابلعى» و «أقلعى» ؛ والمطابقة بذكر الأرض والسماء؛ والمجاز فى قوله: «يا سماء» ، فإن المراد- والله أعلم- يا مطر السماء؛ والاستعارة فى قوله تعالى: «أَقْلِعِي»

؛ والإشارة فى قوله تعالى: «وَغِيضَ الْماءُ»

فإنه عبّر بهاتين اللفظتين عن معان كثيرة؛ والتمثيل فى قوله تعالى: «وَقُضِيَ الْأَمْرُ» *

فإنه عبّر عن هلاك الهالكين ونجاة الناجين بغير لفظ المعنى الموضوع له؛ والإرداف فى قوله:

«وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ»

فإنه عبّر عن استقرارها بهذا المكان استقرارا متمكّنا بلفظ قريب من لفظ المعنى؛ والتعليل، لأن غيض الماء علّة الاستواء؛ وصحة التقسيم إذ استوعب الله تعالى أقسام أحوال الماء حالة نقصه، إذ ليس إلا احتباس ماء السماء، واحتقان الماء الذى ينبع من الأرض، وغيض الماء الحاصل على ظهرها؛ والاحتراس فى قوله تعالى: «وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»

إذ الدعاء عليهم يشعر أنهم مستحقّو الهلاك احتراسا من ضعيف العقل يتوهّم أن العذاب شمل من يستحقّ ومن لا يستحقّ، فتأكّد بالدعاء كونهم مستحقّين؛ والإيضاح فى قوله: «لِلْقَوْمِ» *

ليبيّن أن القوم الذين سبق ذكرهم فى الآية المتقدّمة حيث قال: (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ)

هم الذين وصفهم بالظلم ليعلم أن لفظة القوم ليست فضلة وأنه يحصل بسقوطها لبس فى الكلام؛ والمساواة لأن لفظ الآية لا يزيد على معناها؛ وحسن النّسق، لأنه تعالى عطف القضايا بعضها على بعض بحسن ترتيب؛ وائتلاف اللفظ مع المعنى، لأن كلّ لفظة لا يصلح موضعها غيرها؛ والإيجاز، لأنه سبحانه وتعالى اقتصّ القصّة بلفظها مستوعبة بحيث لم يخلّ منها بشىء فى أقصر عبارة؛ والتسهيم، لأن أوّل الآية الى قوله: «أَقْلِعِي»