للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّتن شيئا خامره بسبب تلك الجيفة التى كانت على رأسه. ويستدلّون على ذلك بقول أميّة بن أبى الصّلت حيث يقول من أبيات:

غيم وظلماء وغيث سحابة ... أزمان كفّن واستراد الهدهد

يبغى الفرار لأمّه ليجنّها ... فبنى عليها فى قفاه يمهد

مهدا وطيئا فاستقلّ بحمله ... فى الطير يحملها ولا يتأوّد

من أمّه فجزى بصالح حملها ... ولدا وكلّف ظهره ما يعقد

فتراه يدلج ماشيا بجنازة ... بقفاه ما اختلف الجديد المسند

وزعم صاحب الفراسة: أن سبب نتنه أنّه يطلب الزّبل؛ فإذا وجده نقل منه وابتنى بيتا منه؛ فإذا طال مكثه فى ذلك البيت، وفى مثله ولد، اختلط ريشه وبدنه بتلك الرائحة فورث ابنه النّتن، كما ورثه هو من أبيه، وكما ورثه أبوه من جدّه. قال شاعر:

وأنتن من هدهد ميّت ... أصيب فكفّن فى جورب

ويقال عنه: إنه يرى الماء فى باطن الأرض كما يراه الإنسان فى باطن الزّجاج.

وزعموا: أنه كان دليل سليمان عليه السلام على الماء ولذلك تفقّده، على أحد أقوال المفسر بن لكتاب الله تعالى.

وقال الجاحظ فيه: إنه وفىّ حفوظ؛ وذلك أن الذكر إذا غابت عنه أنثاه لم يأكل ولم يشرب، ولا يزال يصيح حتى تعود إليه، فإن لم تعد لا يسفد بعدها أنثى أبدا، ولا يزال يصيح عليها ما عاش، ولم ينل بعدها من طعم بل ينال منه ما يمسك رمقه.