للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وأحبّ يوسف ذلك، فدعا يعقوب بسلّة فيها طعام وكوز ماء، وقال:

إذا جاع فأطعموه من هذا الطعام، وإذا عطش فاسقوه؛ وأخذ عليهم العهود بردّه وشيّعهم بنفسه، وجلس على تلّ عال ينظر إليهم حتى غابوا عنه؛ فندم على إرساله ثم رجع إلى منزله؛ وجعل إخوة يوسف يمنعون فى السير، وهو يمشى وراءهم ولا يلحقهم، ويناديهم: «قفوا لى» . فلم يقفوا. ويقول: «اسقونى» . فلم يسقوه؛ وكسر شمعون الكوز وقال: قل لأحلامك الكاذبة حتى تسقيك. ورمى (لاوى) سلّة الطعام فى الوادى؛ فعلم يوسف أنهم قد عزموا على أمر، فناداهم وناشدهم الله والرحم، وذكّرهم بعهود أبيه، فلطمه أحدهم فأكبّه؛ وساروا ويوسف يعدو وراءهم حتى بلغوا موضع أغنامهم، فأرادوا قتله؛ فقال لهم يهوذا: إن قتلتموه حلّ بكم ما حلّ بقابيل حين قتل أخاه. فأجمعوا أن يجعلوه فى غيابت الجب وطلبوا له جبّا عميقا فوجدوه، فجرّوه إليه وهو يبكى، وقال لهم يهوذا: يا بنى يعقوب لقد ذهبت الرحمة من قلوبكم. قالوا: فنردّه إلى أبيه فيحدّثه بما فعلناه به؟ قال:

فإن طرحتموه فى الجبّ لا يبلغ قعره حتى يموت، ولكن دلّوه بحبل. ولم يكن معهم حبل، فذبحوا شاة، وقدّوا جلدها كالحبل، ودلّوه به؛ فلما نزل إلى الجبّ امتلأ نورا، وأتاه جبريل وقال له: لا تخف فإنّ الله معك. وكان فى الجبّ حجر عظيم، فسطّحه جبريل بجناحه فصار كالطبق وأجلسه فيه، وأتاه بطعام من الجنّة فأكل، وأتاه بقميص فلبسه، وبفراش من الجنة، وآنسته الملائكة فى الجبّ.

قال الله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.