للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوّل من هلهل الشعر، أى أرقّه- فاستعدّ المهلهل لحرب بكر، وترك النساء والغزل، وحرّم القمار والشراب، وجمع اليه قومه، فأرسل رجالا منهم الى بنى شيبان يعذر اليهم فيما وقع من الأمر، فأتوا مرّة بن ذهل بن شيبان وهو فى نادى قومه، فقالوا له: إنكم أتيتم عظيما بقتلكم كليبا بناب من الإبل، فقطعتم الرّحم، وانتهكتم الحرمة، وإنّا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم، ونحن نعرض عليكم خلالا أربعا، لكم فيها مخرج ولنا مقنع، قال مرّة: ما هى؟ قالوا: تحيى لنا كليبا أو تدفع لنا جسّاسا قاتله فنقتله به، أو همّاما فإنه كفء له، أو تمكّننا من نفسك فإنّ فيك وفاء من دمه، فقال: أمّا إحيائى كليبا فهذا ما لا يكون. وأمّا جسّاس فإنه غلام طعن طعنة على عجل ثم ركب فرسه فلا أدرى أىّ البلاد احتوت عليه. وأمّا همّام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعمّ عشرة، كلّهم فرسان قومهم فلن يسلّموه لى فأدفعه اليكم يقتل بجريرة غيره. وأمّا أنا فما هو إلّا أن تجول الخيل جولة غدا فأكون أوّل قتيل بينهما، فما أتعجّل من الموت، ولكن لكم عندى خصلتان:

أما إحداهما فهؤلاء بنىّ الباقون فعلّقوا فى عنق أيّهم شئتم نسعة فانطلقوا به الى رجالكم فاذبحوه ذبح الجزور وإلّا فألف ناقة سوداء المقل أقيم لكم بها كفيلا من بكر بن وائل، فغضب القوم وقالوا: لقد أسأت، تبذل لنا صغار ولدك وتسومنا اللبن من دم كليب.

ووقعت الحرب بينهم، ولحقت جليلة زوجة كليب بأبيها وقومها، واعتزلت قبائل بكر بن وائل، وكرهوا مجامعة بنى شيبان ومساعدتهم على قتال إخوتهم، وأعظموا قتل جسّاس كليبا بناب من الإبل، فظعنت لجيم عنهم، وكفّت يشكر عن نصرتهم، وانقبض الحارث بن عباد فى أهل بيته، وهو أبو بجير وفارس النعامة. وقال المهلهل يرثى كليبا من أبيات: