للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض، مما لا ينكر ولا يقدح فى نبوته، وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشىء ولا يفعله، فليس فى هذا ما يدخل عليه داخلة «١» فى شىء من تبليغه وشريعته، ويقدح فى صدقه؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طروّه عليه فى أمر دنياه التى يبعث بسببها، ولا فضّل من أجلها، وهو فيها عرضة للافات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيّل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم يتجلى عنه كما كان.

وأيضا فقد فسّر هذا الحديث الآخر من قوله: «حتى يخيّل إليه أنه يأتى أهله ولا يأتيهنّ» . وقد قال سفيان «٢» : وهذا أشدّ ما يكون من السحر، ولم يأت فى خبر منها أنه نقل عنه فى ذلك قول، بخلاف ما أخبر أنه فعله ولم يفعله، وإنما كانت خواطر وتخيلات. وقد قيل: إن المراد بالحديث أنه كان يتخيل لشىء أنه فعله، وما فعله لكنه تخييل لا يعتقد صحته، فتكون اعتقاداته كلها على السّداد، وأقواله على الصحة. قال: هذا ما وقفت عليه لأئمتنا من الأجوبة عن هذا الحديث.

قال: لكنه قد ظهر لى فى هذا الحديث تأويل أجلى وأبعد من مطاعين ذوى الأضاليل يستفاد من نفس الحديث، وهو أن عبد الرزاق قد روى هذا الحديث عن ابن المسيّب، وعروة بن الزبير، وقال فيه عنهما: سحر يهود بنى زريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوه فى بئر حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكر بصره «٣» . ثم دلّه الله على ما صنعوا، فاستخرجه من البئر.

فقد استبان لك من مضمون هذه الروايات أن السحر إنما يسلّط على ظاهره وجوارحه، لا على قلبه واعتقاده وعقله، وأنه إنما أتى فى بصره، وحبسه عن وطء