للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بد، وهكذا إذا تنفس كل واحد منهما في وجه صاحبه، فإنه يخرج مع ذلك النفس شىء من نسيم كل واحد منهما فيختلط بأجزاء الهواء، فإذا استنشق من ذلك الهواء دخل في الخياشيم، فوصل بعضه إلى الدماغ فسرى فيه كسريان النّور في جرم البلّور، ووصل بعضه إلى جرم الرئة، ثم إلى القلب فيدبّ في العروق الضوارب في جميع البدن فينعقد في بدن هذا ما تحلل من بدن هذا فيصير مزاجا، فيتولد به العشق وينمى.

هذا ما قيل في سبب العشق والله أعلم.

وأما ما قيل في مدحه وذمّه والممدوح منه والمذموم، قال ابن الجوزىّ فى كتابه المترجم ب «ذمّ الهوى» : اختلف الناس في العشق، هل هو ممدوح أو مذموم. فقال قوم: هو ممدوح، لأنه لا يكون إلا من لطافة الطبع، ولا يقع عند جامد الطبع. ومن لم يجد منه شيئا فذلك من غلظ الطبيعة. فهو يجلو العقول، ويصفّى الأذهان، ما لم يفرط. فإن أفرط عاد سمّا قاتلا. وقال آخرون: هو مذموم، لأنه يستأسر العاشق ويجعله في مقام المستعبد. قال: قلت: وفصل الحكم فى هذا الفصل أن نقول: أما المحبة والودّ والميل إلى الأشياء المستحسنة والملائمة فلا يذم، وأما العشق الذى يزيد على حدّ الميل والمحبة فيملك العقل ويصرّف صاحبه على غير مقتضى الحكمة فذلك مذموم. ويتحاشى من مثله الحكماء.

هذا ما قيل في مدحه وذمّه مجملا. والله تعالى أعلم.

فأما الممدوح منه، وهو الذى قدّمنا ذكره، فقد وقع فيه جماعة من الخلفاء والأكابر فلم يعب عليهم ولا نقصهم. وقد تكلموا في مدحه وتفضيله بما سنذكر منه إن شاء الله تعالى طرفا.