للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الجوهر فهم المقدّسون عن الموادّ الجسمانية، المبرؤون عن القوى الجسدانية، أى منزّهون عن الحركات المكانية، والتغييرات الزمانية؛ قد جبلوا على الطهارة، وفطروا على التقديس والتسبيح (لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) .

وإنما أرشدنا إلى هذا معلمنا الأوّل، عاذيمون، وهرمس. فنحن نتقرّب إليهم، ونتوكل عليهم، وهم أربابنا، وآلهتنا، ووسائلنا، وشفعاؤنا عند رب الأرباب، وإله الآلهة. فالواجب علينا أن نطهّر نفوسنا من دنس الشهوات الطبيعية، ونهذّب أخلاقنا عن علائق القوى الشهوانية والغضبية، حتّى يحصل لنا مناسبة ما بيننا وبين الروحانيات. فحينئذ نسأل حاجاتنا منهم، ونعرض أحوالنا عليهم، ونصبأ فى جميع أمورنا إليهم. فيشفعون لنا إلى خالقنا وخالقهم، ورازقنا ورازقهم. وهذا التطهير والتهذيب ليس إلا باكتسابنا، ورياضتنا، وفطامنا لأنفسنا عن دنيّات الشهوات، باستمداد من جهة الرّوحانيات؛ والاستمداد هو التضرّع والابتهال. بالدعوات، وإقامة الصلوات، وبذل الزكوات، والصيام عن المطعومات والمشروبات، وتقريب القرابين والذبائح، وتبخير البخورات، وتعزيم العزائم. فيحصل لنفوسنا استعداد أو استمداد من غير واسطة، بل يكون حكمنا وحكم من يدعى الوحى واحدا.

قالوا: والأنبياء أمثالنا فى النوع، وأشكالنا فى الصورة، ومشاركونا فى المادّة.

يأكلون مما نأكل، ويشربون مما نشرب، ويساهموننا فى الصورة. أناس بشر مثلنا، فمن أين لنا طاعتهم، وبأيّة مزية لهم لزم مشايعتهم؟ (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) .

قال: وأما الفعل، فالروحانيات هم الأسباب المتوسطون فى الاختراع، والإيجاد،