للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب إلى جرير وعصمة ومن أتاه من الأمداد بالخبر، وأمرهم بقصد البويب، ومهران بإزائه من وراء الفرات، فأجتمع المسلمون بالبويب ممّا يلى الكوفة اليوم، وأرسل مهران إلى المثنّى يقول: إما أن تعبر إلينا، وإمّا أن نعبر إليك، فقال المثنّى: اعبروا، فعبر مهران فنزل بشاطئ الفرات، وعبّى المثنّى أصحابه، وكان فى شهر رمضان، فأمرهم بالإفطار ليقووا على عدوّهم، فأفطروا، وأقبل الفرس فى ثلاثة صفوف، مع كلّ صفّ فيل، ورجّالتهم أمام فيلهم، ولهم زجل [١] .

فقال المثنّى: إنّ الذى تسمعون فشل، فالزموا الصّمت، ثم التقوا، واقتتلوا أشدّ قتال وأعظمه، فقتل مهران؛ قتله غلام نصرانىّ من تغلب، واستولى على فرسه، فجعل المثنّى سلبه لصاحب خيله، وكان التّغلبى قد جلب خيلا هو وجماعة من تغلب، فلمّا رأوا القتال قاتلوا مع العرب، وانهزمت الفرس، وسبقهم المثنّى إلى الجسر فأفترق الأعاجم مصعدين ومنحدرين، وأخذتهم خيول المسلمين، وقتل منهم قتلى كثيرة، فكانوا يحزرون [٢] القتلى مائة ألف، وسمّى ذلك اليوم يوم الأعشار، وأحصى مائة رجل، قتل كلّ رجل منهم عشرة. وتبعهم المسلمون إلى الّليل، ومن الغد إلى الّليل، وأرسل المثنّى الخيل فى طلب العجم، فبلغوا السّيب، وغنموا من الغنائم والسّبى والبقر شيئا كثيرا، فقسّمه المثنّى فيهم، ونفّل أهل البلاء، وأعطى بجيلة ربع الخمس. وأرسل إليه الّذين تبعوا


[١] زجل، أى صوت.
[٢] الحزر: التخمين.