للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تدع تحكيم الرجال لأقاتلنّك أطلب وجه الله. فقال على: «بؤسا لك! ما أشقاك! كأنى بك قتيلا تسفى [١] عليك الرياح!» قال: وددت لو كان ذلك، فخرجا من عنده يحكّمان.

وخطب على رضى الله عنه يوما، فحكّمت [٢] المحكّمة فى جوانب المسجد، فقال علىّ: «الله أكبر! كلمة حقّ أريد بها باطل [٣] ان سكتوا غممناهم [٤] ، وإن تكلموا حججناهم وإن خرجوا علينا قاتلناهم» . فوثب يزيد بن عاصم المحاربى فقال: «الحمد لله غير مودّع ربنا ولا مستغنى عنه، اللهم إنّا نعوذ بك من إعطاء الدّنيّة فى ديننا، فإن إعطاء الدنية فى الدين إدهان فى أمر الله وذلّ راجع بأهله إلى سخط الله، يا علىّ أبالقتل تخوّفنا؟ أما إنى لأرجو أن نضربكم بها عمّا قليل غير مصفحات، ثم لتعلم أيّنا أولى بها صليّا» . ثم خرج هو وإخوة له ثلاثة، فأصيبوا مع الخوارج بالنّهروان، وأصيب أحدهم بعد ذلك بالنّخيلة.

ثم خطب علىّ رضى الله عنه يوما آخر، فقام رجل فقال: لا حكم إلا لله، ثم توالى عدّة رجال يحكّمون، فقال علىّ: «الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل، أما إنّ لكم عندنا ثلاثا ما صحبتمونا:

لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفىء


[١] سفت الريح التراب تسفيه: ذرته أو حملته.
[٢] أى قالوا: «لا حكم إلا الله» .
[٣] جاء فى نهج البلاغة شرح ابن أبى الحديد ج ١ ص ٢١٤: ومن كلام له عليه السلام فى الخوارج لما سمع قولهم «لا حكم إلا الله» قوله عليه السلام: كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلا لله، وإنه لا بد الناس من أمير بر أو فاجر، يعمل فى إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر ... وفى رواية أخرى أنه عليه السلام لما سمع تحكيمهم قال: حكم الله أنتظر فيكم!.
[٤] غممناهم: غطيناهم وسترناهم، وفى (ك) : «عممناهم» .