للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشهد صفّين مع علىّ فأنكر التحكيم [١] ، وشهد النّهروان مع الخوارج، وكانت الخوارج كلها تتولاه.

وكانت البثجاء امرأة من بنى يربوع- تحرّض على ابن زياد وتذكر تجبّره وسوء سيرته، وكانت من المجتهدات، فذكرها ابن زياد، فقال لها أبو بلال: إن التّقيّة [٢] لا بأس بها فتغيبى فإن هذا الجبار قد ذكرك. فقالت: أخشى أن يلقى أحد بسببى مكروها، فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها ورماها فى السوق، فمرّ بها أبو بلال فعض على لحيته وقال: «لهذه أطيب نفسا بالموت منك يا مرداس! ما ميتة أموتها أحبّ إلىّ من ميتة البثجاء!» .

ومرّ أبو بلال ببعير قد طلى بقطران فغشى عليه، ثم أفاق فتلا:

سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ

[٣] .

ثم إن ابن زياد ألح فى طلب الخوارج حتى ملأ منهم السجون.

وحبس أبا بلال مرداس بن أديّة [٤] ، فرأى السجان عبادته، فأذن له كل ليلة فى إتيان أهله، فكان يأتيهم ليلا ويعود إلى السجن مع الصبح، وكان لمرداس صديق يسامر ابن زياد، فذكر ابن زياد الخوارج ليلة فعزم على قتلهم [إذا أصبح] [٥] ، فانطلق صديق مرداس إليه وأعلمه الخبر، وبات السجان بليلة سوء خوفا أنه لا يرجع،


[١] قيل: إن أبا بلال أول من قال «لا حكم إلا لله» على مذهب الخوارج يوم صفين.
[٢] التقية: الحذر.
[٣] الآية ٥٠ فى سورة إبراهيم.
[٤] حبس أبا بلال قبل أن يقتل أخاه عروة بن أدية.
[٥] الزيادة من تاريخ ابن جرير الطبرى ج ٤ ص ٢٣٢.