للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر مقتل حجر بن عدى وعمرو بن الحمق وأصحابهما]

وفى هذه السنة كان مقتل حجر بن عدى وأصحابه، وسبب ذلك أن معاوية لما استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة، أمر بشتم علىّ رضى الله عنه وذمّه والترحّم على عثمان والاستغفار له وعيب أصحاب على، فأقام المغيرة على الكوفة وهو أحسن الناس سيرة، غير أنه لا يدع شتم علىّ والوقوع فيه، والدعاء لعثمان والاستغفار له، فلما سمع ذلك حجر بن عدىّ قال: بل إياكم قد ذمّ الله ولعن! ثم قام فقال: أنا أشهد أن من تذمّون أحقّ بالفضل، ومن تزكّون أولى بالذم! فيقول له المغيرة يا حجر اتق هذا السلطان وغضبه وسطوته، فإن غضب السلطان يهلك أمثالك. ثم يكفّ عنه.

فلما كان فى آخر إمارته قال فى علىّ وعثمان ما كان يقول، فقام حجر فصاح بالمغيرة صيحة سمعها كلّ من فى المسجد، وقال له:

«مر لنا أيّها الإنسان بأرزاقنا فقد حبستها عنا، وليس ذلك لك، وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين» . فقام أكثر من ثلثى الناس يقولون: صدق حجر وبرّ، مر لنا بأرزاقنا! فنزل المغيرة ودخل القصر، فجاءه أصحابه وقالوا: علام تترك هذا الرجل يجترئ عليك فى سلطانك؟ فقال لهم: «قد قتلته، سيأتى بعدى أمير يحسبه مثلى، فيصنع به ما ترونه، فيقتله، إنى قد قرب أجلى، ولا أحبّ أن أقتل خيار أهل هذه المصر فيسعد وأشقى، ويعز فى الدنيا معاوية ويشقى فى الآخرة المغيرة! [١] » ثمّ توفّى المغيرة [٢] .


[١] جاء فى رواية ابن جرير ج ٤ ص ١٨٩ زيادة قول المغيرة: «ولكنى قابل من محسنهم، وعاف عن مسيئهم: وحامد حليمهم، وواعظ سفيههم حتى يفرق بينى وبينهم الموت.
[٢] ذكر ابن جرير أن المغيرة ولى الكوفة سنة ٤١ وتوفى سنة ٥١.