للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسأله الطبيب الذى يعالجه عن سبب حركة المنصور فأخبره، فقال الطبيب: إنّا نجد فى كتاب عندنا أن رجلا يدعى مقلاصا يبنى مدينة، بين دجلة والصراة تدعى الزوراء، فإذا أسسها وبنى بعضها أتاه فتق من الحجاز، فقطع بناءها وأصلح ذلك الفتق، ثم أتاه فتق من البصرة أعظم منه، فلم يلبث الفتقان أن يلتئما، ثم يعود إلى بنائها فيتمه، ثم يعمر زمنا طويلا ويبقى الملك فى عقبه، فقدم ذلك الجندى على المنصور وأخبره الخبر، فقال: أنا والله كنت أدعى مقلاصا ثم زال عنّى، وسار حتى نزل الدير- هو جوار قصره المعروف بالخلد، ودعا صاحب الدير والبطريق وغيرهما، فاتفق رأيهم على عمارتها فى موضعها «١» ، وابتدأ بعمارتها فى سنة خمس وأربعين ومائة، وكتب إلى سائر البلاد فى إنفاذ الصناع والفعلة، وأمر أن يختار له من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة، فكان ممن أحضر لذلك الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة، وأمر فخطت المدينة بالرماد، فشقها ورآها، ثم أمر أن يجعل على الرماد حب القطن ويشعل بالنار، ونظر إليها وهى تشتعل ففهمها، وأمر بحفر أساسها على ذلك الرسم، ووكل بها أربعة من القواد، كل قائد على ربع، ووكل أبا حنيفة بعدّ «٢» الآجر واللبن، وكان قبل ذلك أراده المنصور على ولاية القضاء والمظالم فلم يجب، فحلف المنصور أنه لا بد أن يعمل له، فأجابه أن ينظر فى عمارة بغداد، ويعدّ الآجر واللبن بالقصب- وهو أول من فعل ذلك، وجعل المنصور عرض أساس السور من أسفله خمسين ذراعا ومن أعلاه عشرين ذراعا، وجعل فى البناء القصب والخشب، ووضع بيده أول لبنة وقال: بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، ثم قال: ابنوا على بركة الله، فلما بلغ السور قدر قامة جاء الخبر