للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكلاب خلفه، وتبعها فرس المهدى فدخلها، فدقّ الباب ظهره فمات من ساعته. وقيل: بل بعثت جارية من جواريه إلى ضرّة لها بلبن فيه سمّ، فشرب منه فمات. وقيل: بل عمدت جاريته حسنة إلى كمثرى، فأهدته إلى طلة «١» جاريته الأخرى، وجعلت السمّ فى أبهى كمثراة فيه، فاجتاز بالمهدى فأخذ تلك الكمثراة المسمومة فأكلها، فلما وصلت إلى جوفه صاح ومات منها، فكانت الجارية تقول فى بكائها عليه: أردت أن أنفرد بك فأوحشت نفسى منك؛ ومات فى يومه وصلّى عليه ابنه الرشيد، ومات وله من العمر ثمان وأربعون سنة وقيل ثلاث وأربعون، وكانت مدة خلافته عشر سنين وتسعة وأربعين يوما، ودفن تحت جوزة كان يجلس تحتها.

وكان أبيض طويلا وقيل أسمر، حسن الوجه بعينه اليمنى نكتة بياض.

[ذكر شىء من سيرته وأخباره]

كان جوادا حازما وصولا يباشر الأمور بنفسه، وكان كثير الولاية والعزل لغير سبب، وردّ على الناس الأموال التى أخذها أبوه. وكان إذا جلس للمظالم قال: أدخلوا علىّ القضاة، فلو لم يكن ردّى للمظالم إلا للحياء منهم. وقال الحسن الوصيف: أصابتنا ريح شديدة أيام المهدى حتى ظننّا أنها تسوقنا إلى المحشر، فخرجت أطلب المهدى فوجدته قد وضع خدّه بالأرض، وهو يقول: اللهم احفظ محمدا فى أمّته، اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، اللهم إن كنت أخذت هذا العالم بذنبى فهذه ناصيتى بين يديك؛ قال فما لبثنا إلا يسيرا حتى انكشفت الريح وانجلى ما كنّا فيه.

قال الربيع: رأيت المهدى يصلى فى ليلة مقمرة، فقرأ قوله تعالى:

فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ

«٢» ،