للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن رأى أمير المؤمنين أن يسرّ الأولياء ويكبت الأعداء بركوبه فعل- فركب، وقد صف له الناس نحو أربعة أميال وترجّلوا بين يديه، فصلّى ورجع وأخذ حفنة من تراب فوضعها على رأسه، وقال: إنى رأيت كثرة هذا الجمع وأنّهم تحت يدى فأحببت أن أتواضع لله، فلما كان اليوم الثالث افتصد واشتهى لحم جزور فأكله، وسرّ فى ذلك اليوم، ودعا الندماء والمغنين فحضروا، وأخذ فى الشرب واللهو، ولهج «١» بأن يقول: أنا- والله- مفارقكم عن قليل، ولم يزل فى سروره ولهوه إلى الليل.

وعزم المتوكل والفتح أن يفتكا بكرة غد بالمنتصر ووصيف وبغا وغيرهم من قوّاد الأتراك، هذا والمنتصر قد واعد الأتراك على قتل أبيه المتوكل، وكان ذلك لأمور: منها أن المتوكل قد عبث بالمنتصر مرة يشتمه ومرة يسقيه فوق طاقته، ومرّة يأمر بصفعه، ومرّة يتهدّده بالقتل؛ ثم قال للفتح:

برئت من الله ومن قرابتى من رسول الله إن لم تلطمه، فقام إليه فلطمه مرتين: يمر بيده على قفاه «٢» ، ثم قال لمن حضره: اشهدوا علىّ جميعا أنّى خلعت المستعجل يعنى المنتصر، والتفت إليه وقال: سميتك المنتصر فسمّاك الناس- لحمقك- المنتظر «٣» ، ثم صرت الآن المستعجل، فقال المنتصر:

لو أمرت بضرب عنقى لكان أسهل علىّ ممّا تفعل بى، فقال: اسقوه، ثم بالعشاء فأحضر فى جوف الليل فخرج المنتصر من عنده، وأخذ بيد زرافة الحاجب وقال له: امض معى، فقال: إن أمير المؤمنين لم يقم، فقال:

إنّه أخذ منه الشراب، والساعة يخرج بغا والندماء، وأخذ المنتصر يشغل زرافة بالحديث حتى أنتهى به إلى حجرة، وأكلوا طعاما، فما لبثا أن سمعا صيحة وصراخا فقاما، فإذا بغا قد لقى المنتصر فقال له: عظّم الله أجرك يا