للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ودخلت سنة أربع وثمانين ومائتين]

فى هذه السنة فى شهر ربيع الأول ظهر بمصر ظلمة شديدة وحمرة فى السماء، حتى كان الرجل ينظر إلى وجه الآخر فيراه أحمر، ومكثوا كذلك من العصر إلى العشاء الآخره، وخرج الناس من منازلهم يدعون ويتضرعون إلى الله.

وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبى سفيان على المنابر، وأمر بإنشاء كتاب يقرأ على المنابر، وذكر فى الكتاب يزيد وغيره من بنى أمية، وعملت بالكتاب نسخ قرئت فى جانبى بغداد، ومنع القصاص والعامة من القعود فى الجامعين، ونهى عن الاجتماع على قاض أو مناظرة وجدل فى أمر الدين، ونهى الذين يسقون فى الجامعين ألا يترحّموا على معاوية ولا يذكروه، فقال له عبيد الله بن سليمان: إنّا نخاف إضطراب العامة وإثارة فتنة، فلم يرجع إليه، فقال عبيد الله للقاضى يوسف بن يعقوب ليحتال فى منعه، وكلّم يوسف المعتضد وحذّره اضطراب العامة فلم يلتفت، فقال:

يا أمير المؤمنين فما تصنع بالطالبيين الذين يخرجون من كل ناحية، ويميل إليهم خلق كثير من الناس؟ فإذا سمع الناس ما فى هذا الكتاب مالوا إليهم، وصاروا هم أبسط ألسنة وأثبت حجة منهم اليوم، فأمسك المعتضد ولم يأمر فى الكتاب بشىء بعد ذلك.

وفيها ظهر بدار المعتضد إنسان بيده سيف، فمضى إليه بعض الخدم لينظر ما هو، فضربه بالسيف فجرحه فهرب الخادم، ودخل الشخص فى زرع البستان فتوارى فيه، وطلب فلم يعرف له خبر واستوحش المعتضد، وكثر الناس القول حتى قالوا إنّه من الجن، وظهر مرارا كثيرة فوكل المعتضد بسور داره وأحكمه، ثم أحضر المجانين والمعزّمين بسبب الشخص، فقال المعزّمون: نحن نعزّم على بعض المجانين فإذا صرع سئل الجنّى فيخبر بخبره،