للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسار عبّاد حتى أتى قرمونة، وكان إسحاق تلك الليلة فى جماعة من أهل بيته يشربون، فدخل عليه بعض خدّامه فقال: إن صاحب الحرس ذكر أنّ المعتضد عبّادا قائم على باب المدينة ليس معه إلا رجل واحد وهو يستأذن عليك! فعجب القوم من ذلك غاية العجب، وخرج إسحاق ومن عنده إلى باب المدينة فسلّم على عبّاد وأدخله إلى القصر، وأمر بتجديد الطعام والشراب. فلما شرع فى الأكل تذكر ما فعل فسقط فى يده ولم يطق أن يسفه، وندم على ما صنع لما يعلم بينه وبين برزال من الحرب وسفك الدماء، فأظهر التجلّد والانشراح ثم قال لإسحاق:

أريد أن أنام! فرفعه على الفراش، فأراهم عبّاد أنه نائم، فقال بعض القوم لبعض: هذا كبش سمين حصل لكم، والله لو أنفقتم عليه ملك الأندلس ما قدرتم على حصوله فى أيديكم، وهو شيطان الأندلس وإذا قتل خلصت لكم البلاد! فقام معاذ بن أبى قرّة وكان من كبرائهم فقال: والله لا فعلنا هذا ولا رضينا به، رجل قصدنا ونزل بنا، ولو علم أنّا نرضى فيه بقبيح لما أتانا مستأمنا إلينا، كيف تتحدث القبائل عنّا أننا قتلنا ضيفنا وخفرنا ذمّتنا، فعلى من يرضى هذا لعنة الله! وهو يسمع فنزل عن السرير فقام القوم بأجمعهم/ فقبّلوا رأسه وجددوا السلام عليه فقال لحاجبه: أين نحن؟ قال: فى منزلك وبين أهلك وإخوانك! قال: ائتونى بدواة وقرطاس.

فأتوه بهما، فكتب أسماء القوم، وكتب لكلّ واحد بخلعة ودنانير وأفراس وعبيد وجوار، وأمر أن يرسل كلّ واحد منهم رسولا ليقبض