للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكذلك أم سلمة، ومنهن الشفاء بنت عبد الله العدوية معلمة حفصة، وأما في المدينة فلم يزد عددهم من الأوس والخزرج على أحد عشر رجلا، وكان بعض اليهود يقومون بتعليم صبيان يثرب بعد أن تعلموا العربية، ولقلة الرجال الذين يكتبون آنذاك كان لقب (الكامل) يطلق على من تعلم الكتابة والرماية والعوم؛ فلقب بذلك سعد بن عبادة سيد الخزرج، وأسيد بن حضير وعبد الله بن أبي، وكان ممن كتبوا للرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة أبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وعثمان بن عفان وشرحبيل بن حسنة وأبان بن سعيد والعلاء الحضرمي ومعاوية، ولم يكن تشجيع الرسول صلى الله عليه وسلم قاصرا على تعليمهم القراءة والكتابة لصبيان المدينة كما حدث مع أسرى بدر، بل طلب من زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود لأنه لا يأمنهم على القرآن، فعرف كتابتهم، كما طلب منه أن يتعلم السريانية قائلا له: إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا فتعلمها في مدة وجيزة..

ولعلنا نستطيع أن نقول بنوع من التجاوز: إن أول مدرسة في تاريخ الإسلام هي تلك المدرسة التي كانت في دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة؛ حيث ربى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه تربية لم تتوفر في تاريخ البشرية، بالرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ترك بعده المصدرين الأساسيين للدعوة والتربية، وهما القرآن الكريم وسنته زيادة على سيرته العطرة.

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان المعلم الأول الذي أرسله الله إلى البشرية ليعلمها الكتاب والحكمة ويزكيها، وكان عليه الصلاة والسلام المطبق الأول لتعاليم السماء والمنهج الإلهي سائرا على الأرض؛ فقد وصفته أم المؤمنين بأنه كان خلقه القرآن، وكان القدوة الحسنة لأصحابه؛ يعلمهم بالموعظة الحسنة والتجربة الفعلية والتوجيه النافع وقت الشدائد والمحن، ولمعرفته لأهمية المعلم والتعليم في التربية والدعوة أرسل مصعيب بن عمير مع أهل يثرب حين آمنوا ليقوم بواجب التعليم والتربية والدعوة إلى الله.

وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب؛ فكان مسجده صلى الله عليه وسلم جامعة المسلمين الكبرى ومركز الدعوة إلى الله فيها؛ يتعبد الناس، وفيها يبلغ الرسول عن الله، وفيها ينزل التشريع منظما للمجتمع الجديد، وفيها يقابل السفراء والوفود، ومنها تخرج الجيوش حاملة لواء الدعوة، وإليها تتجه أنظار القبائل والدول والأمم، وكان القرآن - والقرآن وحده - هو منهج تلك الدراسة وهدفها ووسيلتها وغايتها، وكان نتائج ذلك المنهج ذلك الجيل القرآني جيل الصحابة المميز في تاريخ الإسلام كله والبشرية جمعاء؛ ذلك الجيل الذي رباه الرسول صلى الله عليه وسلم على كتاب الله لتخلص نفوسهم له وحده، ويستقيم عودهم على منهجه وحده؛ جيل خالص القلب والعقل والتصور والشعور والتكوين المجرد من كل المؤثرات غير منهج الله الممثل في القرآن.

<<  <   >  >>