للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما علا وظهر شبهه بالصائح الذي دل على نفسه بصياحه. فإذا علا بعد ذلك بشيء فعرفت المارَّ وإن كان منك بعيداً قلت: أسفر الصبح.

٢٦٩ - وفي التنزيل العزيز: (حتّى يَتَبيَّنَ لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفجر) والعرب تشبه رقة البياض البادي من الفجر أولاً ورقة السواد الحافّ به بخيطين أبيض وأسود على جهة الاستعارة والتمثيل. قال أبو دواد:

فلما بَصُرْنَ به غُدْوَةً ... ولاح من الفجرِ خيطٌ أَنارا والكتاب العزيز نزل على ما تفهمه العرب في لغتها وتألفه في عرفها. ونزل " الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود "، ولم يكن فيها " من الفجر " ومضى على ذلك عام. فجاء عدي بن حاتم (١) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني جعلتُ تحت وسادتي عقالين أبيض وأسود أعرف الليل والنهار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هو سواد الليل وبياض النهار.

فاستدل الفقهاء بهذا القول على أن النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وعلى ذلك العمل في الصوم والصلاة والإيمان وغير ذلك من جميع ما يناط به حكم شرعي.

وأما على ظاهر اللغة فاختلف فيه. فروى أبو حنيفة الدينوري في " كتاب الأنواء " أن النهار محسوب من طلوع الشمس إلى غروبها، والليل من غروب الشمس إلى طلوعها، ولا يعد شيء قبل طلوعها من النهار ولا شيء فبل غروبها من الليل؛ وقال الزجاج في " كتاب الأنواء " أيضاً: أول النهار ذرورُ الشمس. ومن أهل اللغة من جعل وقت النهار من الإسفار إذا اتسع الضوء وانبسط وهو موافق لمن قال بالذرور. واعتبر في ذلك التسمية اللفظية وقال: النهار مأخوذ من اتساع الضوء واتضاح نوره، وأ نشد (٢) :

ملكتُ بها كفي فأَنْهَرتُ فَتْقَهَا ... يرى قائماً من دونها ماوراءَهَا والحكم عند عامة الفقهاء في النهار ما ورد في الحديث وهو: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما تحديد تبيين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر،


(١) صحيح مسلم ١: ٣٠١.
(٢) البيت لقيس بن الخطيم، انظر ديوانه: ٨.

<<  <   >  >>