للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣٧ - سأل هشام (١) بن عبد الملك خالد بن صفوان: كيف كان سيرك؟ فقال: قتل أرضاً عالمها، وقتلت أرض جاهلها (٢) ، بينا أنا أسير ذات ليلة إذ عصفت ريح شديد ظلماؤها. أطبق سماؤها، وطبَّق سحابها، وتعلّق ربابها، فبقيت مُحْرَنْجماً كالأشقر إن تقدَّم نُحِرَ، وإن تأخر عُقِرَ (٣) ، لا أسمع لواطئٍ همساً، ولا لنابح جرساً؛ تدلّت عليَّ غيومها، وتوارت عنى نجومها، فلا أهتدي بنجمٍ طالع، ولا بعَلَمٍ لامع، أقطع مَحَجَّةً، وأهبط لُجَّةً، في ديمومةٍ قفر، بعيدة القعر، فالريح تخطفني، والشوك يخبطني، في ريحٍ عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشني إِكامها، وقطعني سلامها؛ فبينا أنا كذلك قد ضاقت عليَّ معارجي، وسُدَّتْ مخارجي، إذ بدا نجمٌ لائح، وبياضٌ واضح. وعرجتُ إلى آكام محزئلّة فإذا أنا بمصانعكم هذه، فقرَّت العين، وانكشفَ الرَّيْنُ.

فقال هشام: لله درك، ما أحسنَ وصفك.

٣٨ - ومن أحسن ما جاء في الليل قول ذي الرمة (٤) :

وليلٍ كجلبابِ العروسِ ادَّرعته ... بأربعةٍ والشخصُ في العين واحدُ أخذه ابن المعتز فقال:

وليل كجلبابِ الشَّبابِ. (٥) ... قال العسكري (٦) : جلباب العروس أطرب من جلباب الشباب.

٩ - وقال العلوي (٧) :

وربَّ ليلٍ باتت عساكرُهُ ... تحملُ في الجوِّ سودَ راياتِ

لامعةً فوقها أسنَّتُهَا ... مثلَ الأزاهيرِ وَسْطَ روضات


(١) انظر محاضرات الراغب ٤: ٥٤٦ (٢: ٢٤١) .
(٢) ((قتل أرضاً خابرها وقتلت أرض جاهلها)) ورد منسوباً للإسكندر في مختار الحكم: ٢٤٦.
(٣) كالأشقر إن تقدم نحر إن تأخر عقر: هذا مثل، انظر فصل المقال: ٣٧٦ والميداني ٢: ٥٨.
(٤) ديوانه: ١١٠٨ وديوان المعاني ١: ٣٤٢ وتشبيهات ابن أبي عون: ٢٠ ومجموعة المعاني: ١٩٠ والشريشي ١: ١٦١.
(٥) تتمة البيت: ((قطعته، بفتيان صدق يملكون الأمانيا)) .
(٦) ديوان المعاني ١: ٣٤٢.
(٧) العلوي: هو المعروف بابن طباطبا اصبهاني العلوي، انظر الفقرة: ٥٩ في ما يلي.

<<  <   >  >>