للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي]

وبعد التعرف على بعض الجهود السابقة نبدأ الآن في عرض ما يتعلق بهذه المحاولة الجادة المخطط لها بعناية وإحكام، والتي بذلت فيها جهود، وسخرت فيها قوى وإمكانات، تدل على رغبة صادقة في الفتح من قبل المسلمين.

الغزو المتواصل لمدن الروم وقلاعهم وإلهاب جبهة الحدود:

لئن مات معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فإن الهدف الذي سعى إلى تحقيقه وهو فتح القسطنطينية لم يمت في نفوس أخلافه، بل ظل أملاً حياً يراودهم متحينين الفرصة لإنجازه؛ فما أن استقرت الأمور لعبد الملك بن مروان (٦٥-٨٦ ?/٦٨٥-٧٠٥ م) إذا به يوجه جهوده نحو مملكة الروم التي راق لها انشغال المسلمين عن غزوها برهة من الزمن، بسبب الفتنة حول المُلك في أعقاب وفاة يزيد ابن معاوية (٦٠-٦٤?/٦٨٠-٦٨٣م) ، فقامت بشن غارات على منطقة الثغور الشامية، مستغلة هذه الفرصة، وكان عبد الملك قد اضطر إلى عقد هدنة معها في أول حكمه إبان تثبيته الملك، لقاء مبلغ من المال يدفعه لها ١، لكن فور فراغه من ذلك دعا الناس للجهاد في سبيل الله تعالى، فوردوا عليه من جميع الآفاق، فخطب فيهم وحثهم على الجهاد في سبيل الله تعالى، ثم وجههم بعد أن استكملوا استعداداتهم إلى بلاد الروم٢، وأمر عليهم ابنه مسلمة ٣.


١ تاريخ الطبري ٦/١٥٠، وكامل ابن الأثير ٤/٢، وابن العبري، تاريخ مختصر الدول ص ١٩٤، والبداية والنهاية ٨/٣١٣.
٢ ابن أعثم، الفتوح ٧/١٦٧، وابن عساكر، تاريخ دمشق ٩/١٦٧-١٦٨.
٣ مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، أبو سعيد، كان من أشجع أبناء عبد الملك، له آثار كثيرة في حروب الروم والخزر، ونكاية في الروم خاصة؛ حيث لازم الغزو في بلادهم سنين طويلة حالفه التوفيق في معظم تلك الغزوات، توفي سنة ١٢١? بالشام. انظر ترجمته في تاريخ دمشق ٥٨/٢٧ وما بعدها، وللمزيد من المعلومات عن مواهبه وخصائصه انظر جواد الأعظمي، الأمير مسلمة بن عبد الملك ص ٥، و٥٧ وما بعدها.

<<  <   >  >>