للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمجانين (١) ومن جرى مجراهم (٢) . فإن قال قائل: " فإن هذا الكلام الذي ذكرت يدل على أن قائله لا يعقل أو أنه مريض "؛ قيل له وبالله تعالى التوفيق، إنه لم يدلك على ذلك (٣) بمعناه، لكن لما فارق كلام أهل التمييز كان كالدليل على آفة بصاحبه. وأيضاً فقد يظهر مثل هذا الكلام من حاكٍ (٤) أو مجان، فلا يدل على أن صاحبه لا يعقل. فليس ما اعترض به هذا المعترض حقاً. وهذا العلم إنما قصد به ما يكون حقاص، وتخليصه مما قد يكون حقاً وقد لا يكون.

ثم نرجع فنقول: إن الصوت الذي يدل على معنى ينقسم قسمين: إما أن يدل بالطبع وإما أن يدل بالقصد. فالذي يدل بالطبع هو كصوت الديك الذي يدل في الأغلب على السحر، وكأصوات الطير الدالة على نحو ذلك، وكأصوات البلارج والبرك (٥) والاوز والكلاب بالليل الدالة في الأغلب على أنها رأت شخصاً، وكأصوات السناير في دعائها أولادها وسؤالها وعند طلبها (٦) السفاد وعند التضارب، وكل صوت دلك بطبعه على مصوته كالهدم ونقر النحاس وما أشبه ذلك من أصوات الحيوان غير الإنسان. فهذه إنما تدل على كل ما ذكرنا بالعادة المعهودة منا (٧) في مشاهدة تلك الأصوات، لا أنا نفهمها كفهمنا ما نتخاطب به فيما بيننا باللغات المتفق عليها بين الأمم التي نتصرف بها في جميع مراداتنا. فهذه الأصوات التي ذكرناها (٨) لم نقصدها في كتابنا هذا إذ ليس يستفاد منها توقيف على علم ولا تعليم صناعة ولا إفادة خبر وقع. وأما الصوت (٩) الذي يدل بالقصد فهو الكلام الذي يتخاطب الناس به فيما


(١) م: من المجانين والمبرسمين.
(٢) س: مجراهما.
(٣) س: إنه يدلك ذلك.
(٤) م: حاكي.
(٥) في م س: البلوج، والبلارج: طائر كبير طويل المنقار، والبرك: جمع بركة وهو طائر من طيور الماء أبيض، والبرك أيضاً الضفادع.
(٦) م: سؤالها ودعاء أولادها وعند طلب.
(٧) س: مما.
(٨) م: ذكرنا.
(٩) الصوت: سقطت من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>