للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقرطبة (١) ، وهذا الموضع كان مجتمع النساء، فرأى جارية أخذت بمجامع قلبه وتخلل حبها جميع اعضائه، فانصرف عن طريق الجامع وجعل يتبعها وهي ناهضة نحو القنطرة (٢) ، فجازتها إلى الموضع المعروف بالربض. فلما صارت بين رياض بني مروان - رحمهم الله - المبنية على قبورهم في مقبرة الربض خلف النهر نظرت منه منفرداً عن الناس لا همة له غيرها، فانصرفت إليه فقالت له: مالك تمشي ورائي فأخبرها بعظيم بليته بها. فقالت له: دع عنك هذا ولا تطلب فضيحتي فلا مطمع لك في البتة ولا إلى ما ترغبه سبيل، فقال: إني أقنع بالنظر، فقالت: ذلك مباح لك، فقال لها: يا سيدتي، أحرة أم مملوكة قالت: مملوكة، فقال لها: ما اسمك. قالت: خلوة، قال: ولمن أنت فقالت له: علمك والله بما في السماء السابعة أقرب إليك مما سألت عنه، فدع المحال، فقال لها: يا سيدتي، وأين أراك بعد هذا قالت: حيث رأيتني اليوم في مثل تلك الساعة من كل جمعة.. فقالت له: إما تنهض أنت أو انهض أنا (٣) ، فقال لها: انهضي في


(١) ذكر ابن بشكوال أن أبواب قرطبة سبعة باب القنطرة إلى جهة القبلة، وباب الحديد ويعرف بباب سرقسطة، وباب ابن عبد الجبار وهو باب طليطلة، وباب رومية، وباب طلبيرة، ثم باب عامر القرشي ثم باب الجوز ويعرف بباب طليوس ثم باب العطارين وهو باب إشبيلية، ومن دونه تجارة العطور والدكاكين والعطارين (انظر النفح ١: ٤٦٥) .
(٢) قنطرة قرطبة تقع شمالي باب قرطبة الجنوبي (المسمى بها أي باب القنطرة) ، وهو الباب الذي يصل بين المدينة وربض شقندة، وقد بناها أغسطس قيصر، وكانت تتثلم بسبب مد النهر فيتم اصلاحها وترميمها، فقد رممها الحكم المستنصر سنة ٣٦٠ (أنظر عبد العزيز سالم قرطبة حضرة الخلافة الإسلامية ١: ١٩٧ - ٢٠١ ومصادره هنالك) .
(٣) فقالت له إما أن تنهض أنت أو أنهض أنا؛ يبدو أن هنا سقطاً؛ والرواية نفسها عن ابن حزم عند الحميدي: " فلما قرب وقت صلاة العصر، انصرفت فجعلت أقفو أثرها، فلما بلغت قنطرة قالت إما أن تتأخر واما أن تتقدم فلست والله أخطو خطوة وأنت معي، فقلت لها: أهذا آخر العهد، قالت: لا، قلت لها: فمتى اللقاء قالت: كل يوم جمعة في هذا الوقت في هذا المكان، قلت لها: فما ثمنك أن باعك من أنت له قال: ثلاثمائة دينار، قال: فخرجت جمعة أخرى فوجدتها على العادة الأولى فزاد كلفي بها " ثم يقص كيف ارتحل إلى سرقسطة ومدح عبد الرحمن بن محمد الدجيبي صاحبها، وذكر له قصته مع خلوة وأخذ منه ثلاثمائة دينار سوى نفقة الطريق، قال: " وعدت إلى قرطبة فلزمت الرياض جمعاً لا أرى لها أثراً وقد انطبقت سما ئي على أرضي، وضاق صدري إلى أن دعاني يوماً رجل من اخواني فدخلت إلى داره وأجلسني في صدر مجلسه ثم قام لبعض شئنه، فلم أشعر إلا بالستارة المقابلة لي قد رفعت وإذا بها، فقلت: خلوة، فقال: نعم، قلت: ألأبي فلان أنت مملوكة قالت: لا والله ولكني أخته، قال: فكان الله تعالى محا محبتها من قلبي، وقمت من فوري، واعتذرت إلى صاحب المنزل بعارض طرقني وانصرف (الجذوة: ٣٤٧ - ٣٤٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>