للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سأبعد عن دواعي الحب إني ... رأيت الحزم من صفة الرشيد

رأيت الحب أوله التصدي ... بعينك في أزاهير الخدود

فبينا أنت مغتبط مخلى ... إذا قد صرت في حلق القيود

كمغتر بضحضاح قريب ... فزل فغاب في غمر المدود وإني لأطيل العجب من كل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة، ولا أكاد أصدقه، ولا أجعل حبه إلا ضرباً من الشهوة، وأما أن يكون في ظني متمكناً من صميم الفؤاد نافذاً في حجاب القلب فما أقدر ذلك، وما لصق بأحشائي حب قط إلا مع الزمن الطويل وبعد ملازمة الشخص لي دهراً وأخذي معه في كل جد وهزل، وكذلك أنا في السلو والتوقي، فما نسيت وداً لي قط، وإن حنيني إلى كل عهد تقدم لي ليغصني بالطعام ويشرقني بالماء، وقد استراح من لم تكن هذه صفته. وما مللت شيئاً قط بعد معرفتي به، ولا أسرعت إلى الأنس مذ كنت، لا أقول الألاف والإخوان وحدهم، لكن في كل ما يستعمل الإنسان من ملبوس ومركوب ومطعوم وغير ذلك، وما انتفعت بعيش ولا فارقني الإطراق والانغلاق (١) مذ ذقت طعم فراق الأحبة، وإنه لشجى يعتادني وولوع هم ما ينفعك يطرقني، ولقد نغص تذكري ما مضى كل عيش استأنفه، وإني لقتيل الهموم في عداد الأحياء، ودفين الأسى بين أهل الدنيا. والله المحمود على كل حال لا إله إلا هو؛ وفي ذلك أقول شعراً منه: [من الطويل]

محبة صدق لم تكن بنت ساعة ... ولا وريت حين ارتفاد (٢) زنادها

ولكن على مهل سرت وتولدت ... بطول امتزاج فاستقر عمادها


(١) في أكثر الطبعات: والانفلاق - بالفاء - ولا أدري له معنى.
(٢) في الطبعات: ارتياد، والارتفاد هو الاستعانة في القدح بحجر القدح عند استعمال الزناد.

<<  <  ج: ص:  >  >>