للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله رب العالمين.

قال: كذلك لعمري يلزمهم ولابد من هذا.

قلت: فاعلم أنه لما نظروا وجدوا بعد المكان والزمان غيرهما، فلما قالوا مثل، بطل عليهم في فكرهم، ولما قالوا خلافه لم يحسنوا الصفة، لأنهم حسبوا أن العقل لا يجد خالقا مرتفعا فوق العقل يدركه بالدليل بلا تمثيل، لأنه لا شبه له ولا ند، ويوجد مخلوقا يتمثل، لأنهم وجدوا له أمثلة وأشباها. فلما أرادوا أن يرفعوه فوق العقل لم يهتدوا إلى الدليل عليه فأنكره. ولما أرادوا أن يتمثلوه وجدوه من المخلوقات بلا نهاية، فأنكروه فوقعوا بين الحيرتين على ثالثة لا يعرفونها، وجعلوها حيلة يختصمون بها في المناظرة، اسما بلا معنى، صفة بلا كيفية، فقالوا: جوهر بسيط، ففروا من الحيرة إلى الضلال، ومن العشى إلى العمى، ومن الحر إلى النار، فنعوذ بالله من العمى ونحمده على الهدى، ونصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

فاعلم الآن بما هداك الله موقع الكفر وفظاعته وعظم خطره في الشر والخسران من كل من ألحد في توحيد الله تعالى، وأنه إذا أخذ توحيده ممن ليس يقر بربه ولا خالقه، بأن تعلم أن كل من لم يصح توحيده ويخلص لله فيه حق إخلاصه، وزعم أن ربه غير واحد بوحدانيته الحقيقية من كل جهة، فهو كعابد وثن، لأن العباد إنما يتوجهون إلى عبادة ربهم، ويصفون خالقهم بتصحيح الصفة في العقل، فإذا لم يصب وصف صفة الخالق، فإنما يصيب صفة المخلوق، لأنه ليس إلا الله تعالى خالقا، فمن زال عن صفة خالقه ربه زال إلى صفة خلقه [١٠٥و] . فإذا قصد بعبادته صفة الخلق، فهو كعابد الوثن، قد تبرأ من الله عز وجل وكفر وجحد نعمته كلها من الدنيا والآخرة، ونسبها إلى غيره، وتعبد ورجا وخاف غير الله، فلم يوجه إلى الله تعالى بشيء من حقوقه، ولا أقر له بشيء من نعمته، ولا أعلق به شيئا من رجائه ولا خوفه، ولا أسند إليه شيئا من دنياه وآخرته، ولا أقر بخالق، ولا أثبت ربا ولا إلها، تعالى الله علوا كبيرا، والحمد لله على الهدى كثيرا حمدا يرضاه ويتقبله، ويوجب الثبات به حتى نلقاه عليه، ويوجب الزلفى لديه والكون في جواره وظل

<<  <  ج: ص:  >  >>