للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الثانية منفذاً انصرف إلى ما قابله من الجسم، وإن كان صالح غلام أبي إسحاق النظام (١) خالف في الإدراك فهو قول ساقط لم يوافقه عليه أحد.

ولو لم يكن من فضل العين إلا أن جوهرها ارفع الجواهر وأعلاها مكاناً، لأنها نورية لا تدرك الألوان بسواها، ولا شيء أبعد مرمى ولا أنأى غاية منها، لأنها تدرك بها أجرام الكواكب التي في الأفلاك البعيدة، وترى بها السماء على شدة ارتفاعها وبعدها، وليس ذلك إلا لاتصالها في طبع خلقتها بهذه المرآة، فهي تدركها وتصل إليها بالطفر (٢) ، لا على قطع الأماكن والحلول في المواضع وتنقل الحركات، وليس هذا لشيء من الحواس مثل الذوق واللمس، لا يدركان إلا بالمجاورة، والسمع والشم، لا يدركان إلا من قريب. ودليل على ما ذكرناه من الطفر أنك ترى المصوت قبل سماع الصوت، وإن تعمدت إدراكهما معاً، ولو كان إدراكهما واحداً لما تقدمت العين السمع.


(١) لم أجد تعريفاً بصالح غلام النظام إلا أن الأشعري أورد قولاً في الرؤية: " الذي يرى الرائي في المرآة إنما هو إنسان مثله اخترعه الله " وأضاف: وهذا قول صالح. قلت: وهو يناسب ما يذكره ابن حزم من مخالفة صالح لمن عداه في مسألة الادراك.
(٢) بالطفر: هذه هي القراءة الصحيحة (التي اقترحها برشيه) وفي سائر القراءات: بالنظر، وإنما حكمت بصحتها اعتماداً على رأي ابن حزم في الطفرة وعلاقة حاسة البصر بها. فالطفرة في رأي النظام هي أن المار على سطح جسم من مكان إلى مكان بينهما أماكن لم يقطعها هذا المار ولا مر عليها؛ وخطأ ابن حزم هذا الرأي ثم قال: " هذا ليس موجوداً البتة إلا في حاسة البصر فقط وكذلك إذا أطبقت بصرك ثم فتحته لاقى نظرك خضرة السماء والكواكب الادراكين في المدة أصلاً ". ثم قارن بين حاسة السمع وحاسة البصر (كما فعل هنا) وقال: ان الصوت يقطع الأماكن وينتقل فيها وان البصر لا يقطعها ولا ينتقل فيها (أي ان ادراكه المرئيات طفرة) انظر الفصل ٥: ٦٤ - ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>