للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضبطت كل ذلك، وأشرفت عليه، وسرحت (١) هنالك، وأوغلت في تلك الطرق والمسالك، وخضت إليه الأنوار والظلم، واقتحمت نحوه الأبعاد حتى أتيته من أمم، ولم يخف ما بعد وغمض

قالت: بلى.

قال: يا أيتها النفس المشرفة على ذلك كله: ألست التي لم تقنعي بهذا المقدار من العلم على عظمه وطوله، ولا ملأ خزانتك هذا الحظ من الإشراف، على كبر شأنه وهوله، حتى تعديت إلى ما كان قبل حلولك في هذا الجسد وارتباطك به، من أخبار القرون البائدة والمماليك الدائرة والأمم الغابرة والوقائع الشنيعة والسير الذميمة والحميدة، ووقفت على أخبارهم وعلومهم فشاهدت كل ذلك بمعرفتك إذ لم تشاهديه بحواسك

قال: بلى.

قال: يا أيتها النفس الغابطة لهذه العظائم المشرفة على هذه الأمور الشنيعة. ألست التي لم يكفك هذا كله حتى تجاوزت العالم بما فيه، وطفرته من جميع نواحيه، فشاهدت الواحد الأول، ووقفت إلى الحق الأول المبدع للعالم بكل ما فيه، فأشرفت (٢) على انه هو، وتوهمت إحداثه لكل ما دونه لتوهمك لكل ما شاهدته بحواسك، فأحطت بكل هذا علماً، واحتويت على جميعه فهما

قالت: بلى.

قالت: يا أيتها النفس التي بلغت هذه المبالغ النائية، وترقت إلى هذه المراقي العالية، وسربت في تبك السبل الغامضة، واستسهلت الولوج في تلك الشعاب الخافية، وسمت إلى التوقل إلى تلك المنازل


(١) ص: وشرحت.
(٢) ص: فأشرقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>