للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وهو ابن عشرين يوماً، فولي الأمر وله اثنتان وعشرون سنة.

قال لي أبو محمد عليُّ بن أحمد: وكانت ولايته من المستطرف، لأنه كان في هذا الوقت شاباً، وبالحضرة جماعة أكابر من أعمامه وأعمام أبيه، وذوي القعْدُدِ في النسب من أهل بيته، فلم يعترض معترض واستمر له الأمر، وكان شهماً صارماً.

وكلُّ من ذكرنا من الأمراء أجداده إلى عبد الرحمن بن محمد هذا، فليس منهم أحد تسمى بإمرة المؤمنين، وإنما كان يسلم عليهم، ويخطب لهم بالإمارة فقط؛ وجرى على ذلك عبد الرحمن بن محمد إلى آخر السَّنة السابعة عشرة من ولايته، فلما بلغه ضعف الخلافة بالعراق في أيام المقتدر، وظهور الشيعة بالقيروان، تسمى عبد الرحمن بأمير المؤمنين، وتلقب بالناصر لدين الله. وكان يُكنى أبا المُطَرِّف، وأُمه أُم ولد اسمها مُزْنة، ولم يزل منذ ولي يستنزل المتغلبين حتى استكمل إنزال جميعهم في خمس وعشرين سنةً من ولايته، وصار جميع أقطار الأندلس في طاعته، ثم اتصلت ولايته إلى أن مات في صدر رمضان سنة خمسين وثلاثمائة، ولم يبلغ أحد من بني أُمية في الولاية مُدّتَه فيها.

[ولاية الحكم المستنصر]

ثم ولي بعده ابنه الحكم بن عبد الرحمن، ويلقب بالمستنصر بالله، وله إذ ولي سبعٌ واربعون سنة، يُكنى أبا العاص؛ أُمه أُمُّ ولد اسمها مَرجان، وكان حسن السيرة، جامعاً للعلوم محباً لها مكرماً لأهلها، وجمع من الكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحدٌ من الملوك قبله هنالك (١) ، وذلك بإرساله عنها إلى الأقطار، واشترائه لها بأغلى الأثمان، ونفق ذلك عليه فحُمِل إليه.

وكان قد رام قطع الخمر من الأندلس وأمر بإراقتها وتشدد في ذلك، وشاور في استئصال شجرة العنب من جميع أعماله، فقيل له إنهم يعملونها من التين وغيره، فتوقف عن ذلك. وفي أمره بإراقة الخمور في سائر الجهات يقول أبو عمر يوسف بن هارون الكندي (٢) قصيدته المشهورة فيها، متوجعاً لشاربها، وإنما أوردناها تحقيقاً لما ذكرنا عنه من ذلك، وهي قوله: [من الوافر]


(١) راجع عن اهتمام الحكم بالعلوم واستعماله لذلك شتى الوسائل كتاب: تاريخ الأدب الأندلسي - عصر سيادة قرطبة.
(٢) هو الرمادي الشاعر، انظر الجزء الأول من رسائل ابن حزم: ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>