للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقدمة]

[رسالة مراتب العلوم في ضوء ما سبقها]

[من تصنيف للعلوم عند العرب]

ربما كان من المتعذر تحديد بداية دقيقة للنزوع إلى معالجة العلوم على أساس تصنيفي في الحضارة العربية، ولكن هذه الظاهر تطالعنا منذ أواخر القرن الثاني الهجري على يد جابر بن حيان، غير أنها لا تستقوي إلا في أواخر الثالث، تصبح على أشدها في القرن الرابع، اذ تتعدى فيها المحاولات والانتحاءات، تلبيةً لما تم حينئذ من تطورات هامة على جميع المستويات وفي طليعتها تنوع الروافد الثقافية وضروب المعارف التي تستدعي على نحو طبيعي نظرة تأملية فاحصة تقوم على المقايسة والمقارنة بل وعلى المفاضلة في بعض الأحيان (١) .

ولم يكن من المستغرب أن يكون معظم القائمين بهذا النوع من النشاط مفكرين ذوي صلات قوية بالثقافات الأجنبية وبخاصة الثقافة اليونانية، وإذا ذكرنا أبا بكر الرازي والفارابي وإخوان الصفا وابن سينا والتوحيدي على المستوى الفكري النظري للتصنيف، ومحمد بن إسحاق النديم ومحمد بن أحمد الخوارزمي صاحب مفاتيح العلوم على المستوى التطبيقي العملي للتصنيف، فقد حصرنا أهم الذين عنوا بتلك الظاهرة ووضعوا لها أسسها الفكرية (٢) .

ولهذه الحقيقة نفسها أسبابها الكثيرة، وفي مقدمتها تعدد ما أصبح ينضوي تحت لفظة " علم " من فنون وصناعات لم تكن تحظى من قبل بهذا الاسم، ومن حقول معرفة جديدة لم يكن اسم العلم إذا أطلق ليشملها؛ ذلك أن لفظة " علم " بصيغة المفرد كانت غامضة أو محدودة؛ أما غموضها فيتصل بتلك الحكم التي تحث على طلب العلم


(١) انظر مسألة تصنيف المعرفة في الشرقين الأدنى والأوسط في القرون الوسطى، بقلم م. م. خير الله يف ص: ١٩٣ - ٢٠٤ (وبخاصة ص: ١٩٧) من مجلة التراث العربي، العددان ٤، ٥ السنة الثانية، دمشق (عدد خاص عن ابن سينا) .
(٢) لحميد بن سعيد بن بختيار المتعلم كتاب " إضافة العلوم " ولعله " أصناف العلوم " ذكره ابن النديم في الفهرست (الحاشية) ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>