للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تفتح ثم خرج السرح وخرجت الأسواق وانبث أهلها، فأرسل المسلمون: أن ما لكم؟ قالوا: رميتم لنا بالأمان فقبلنا وأقررنا لكم بالجزية على أن تمنعونا، فقالوا: ما فعلنا، وقال المشركون: ما كذبنا، فإذا عبد يدعى مكنفاً كان أصله منها هو الذي كتب لهم، فقالوا: إنما هو عبد، قالوا: إنا لا نعرف حركم من عبدكم قد جاء أمان فنحن عليه ولم نبدل، فإن شئتم فاغدروا، فأمسكوا عنهم، وكتبوا إلى عمر رضي الله عنه، فكتب لهم إن الله تعالى قد عظم الوفاء أجيزوهم وأوفوا لهم وانصرفوا عنهم، وفي ذلك يقول عاصم بن عمير:

لعمري لقد كانت قرابة مكنف ... قرابة صدق ليس فيها تقاطع

أجاركم من بعد ذل وقلة ... وخوف شديد والبلاد بلاقع

فجاء جوار العبد بعد اختلافنا ... ورد أموراً كان فيها تنازع

إلى العدل والوالي المصيب حكومة ... فقال بحق ليس فيه تخالع

ولله جندي شاهبور لقد نجت ... غداة بنتها بالبلاد اللوامع وكان سابور (١) بن هرمز ذو الأكتاف أحد ملوك الفرس وباني الإيوان سار نحو بلاد الشام ففتح المدائن وقتل خلائق من الروم، ثم طالبته نفسه بالدخول إلى بلاد الروم متنكراً ليعرف أخبارهم وسيرهم فتنكر وسار إلى القسطنطينية، فصادف وليمة لقيصر قد اجتمع فيها الخاص والعام منهم، فدخل في جملتهم وجلس على بعض موائدهم، وكان قيصر أمر مصوراً أتى عسكر سابور فصوره، فلما جاء قيصر بالصورة أمر بها فصورت على آنية الشراب من الذهب والفضة، وأتي من كان على المائدة التي كان عليها سابور بكأس فنظر بعض الخدم إلى الصورة التي على الكأس وسابور مقابل له على المائدة فعجب من اتفاق الصورتين وتقارب الشبهين، فمال إلى الملك فأخبره، ومثل بين يديه فسأله عن خبره فقال: بل أنا من أساورة سابور استحققت العقوبة لأمر كان مني، فدعاني ذلك إلى الدخول في أرضكم، فلم يقبلوا ذلك منه وقدم إلى السيف فأقر، فجعله في جلد بقرة، وسار قيصر في جنده حتى توسط العراق فافتتح المدائن وشن الغارات وعقر النخل وانتهى إلى مدينة جندي سابور وقد تحصن بها وجوه فارس، فنزل بها، وحضر عيد لهم في تلك الليلة وقد أشرفوا على فتح المدينة في صبيحتها فأغفل الموكلون أمر سابور وأخذ منهم الشراب، وكان بالقرب من سابور جماعة من أسارى الفرس فخاطبهم أن يحل بعضهم بعضاً وأمرهم أن يصبوا عليه زقاقاً من الزيت كانت هناك، ففعلوا، فلان عليه الجلد وتخلص، فأتى إلى المدينة وهم يتحارسون على سورها فعرفوه وأصعدوه بالحبال إليهم وفتح أبواب خزائن السلاح وخرج بهم ففرقهم حول مواضع في الجيش، والروم غارون مطمئنون، فكبس الجيش عند ضرب النواقيس فأتوه بقيصر أسيراً فاستحياه وأبقى عليه وضم إليه من أفلت من القتل من رجاله، فغرس قيصر بالعراق الزيتون بدلاً مما عقره من نخل العراق ولم يكن يعهد بالعراق الزيتون قبل ذلك وعمر ما خرب، وانصرف قيصر نحو الروم.

جنجالة (٢) :

حصن بالأندلس في شمال مرسية، فيها حبس أبو زيد عبد الرحمن بن موسى بن يوجان (٣) بن يحيى الهنتاتي الذي كان وزير المنصور من بني عبد المؤمن ثم أنهض في زمان ابنه الناصر إلى ولاية تلمسان وإصلاح الطرق من عيث زناتة. ولما تمكن أبو سعيد بن جامع وزير المستنصر سعى في ولاية تلمسان لعمه السيد أبي سعيد بن المنصور وحبس ابن يوجان، وجعل بنوه يكتبون سطوراً بالبراءة من أفعاله وفرقوها على البلاد. ولما زاد أبو سعيد بن جامع الوزير تمكيناً في سنة سبع عشرة وستمائة بعد تأخيره من الوزارة بلغه أن ابن يوجان شمت به وهو في حبسه بتلمسان وتكلم ورجا التسريح، فما كان عنده خبر حتى وصل إليه من جاز به (٤) إلى الأندلس وحبسه في حصن جنجالة. ولما حمل إلى ذلك الثغر السحيق وظنوا أن الداء (٥) قد حسم بذلك


(١) قارن بالطبري ١: ٨٤٤.
(٢) بروفنسال: ٦٧، والترجمة: ٨٤ (Chenchilla) .
(٣) يرد هذا الاسم في المصادر على صور مختلفة منها وجّان، بوجان، يوجان، وقد بدأ الحميري بالصورة الأولى في بعض المواضع، ثم استمر يكتبه في الصورة الثانية حتى آخر الترجمة.
(٤) ص ع: خازنه.
(٥) ص ع: أن ذلك.

<<  <   >  >>