للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو أن سيفي ساعة القتل في يدي ... درى الغادر العجلان كيف أساوره ومات المنتصر بسر من رأى في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين، وولي المستعين أحمد بن المعتصم فأقام بسر من رأى سنتين وثمانية أشهر حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين، فأقام يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة والمعتز بسر من رأى معه الأتراك وسائر الموالي، ثم خلع المستعين وولي المعتز فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين وسبعة أشهر بعد خلع المستعين، وبويع محمد بن الواثق سنة خمس وخمسين ومائتين فأقام حولاً كاملاً ينزل الجوسق حتى قتل، وولي أحمد بن المعتمد بن المتوكل فأقام مدة حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ثم إلى المدائن، فسبحان من له البقاء وحده.

[جفر الأملاك:]

مكان بين الحيرة والكوفة كان المنذر بن ماء السماء غزا كندة فأصاب منهم وأسر اثني عشر فتى من ملوكهم فقتلوا بمكان بين الحيرة والكوفة يقال له جفر الأملاك، وكان امرؤ القيس بن حجر يومئذ معهم فهرب ولحق بإياد، فأجاره سعد بن الضباب سيد إياد، وفيه يقول امرؤ القيس (١) :

يفاكهنا سعد ويغدو لجمعنا ... بمثنى الزقاق المترعات وبالجزر

وتعرف فيه من أبيه شمائلاً ... ومن خاله ومن يزيد ومن حجر

الجفار (٢) :

أرض متصلة ببلاد الواحات وهي خالية قفر، وكانت فيما سلف من الزمان متصلة العمارات كثيرة البركات مشهورة الخيرات أكثر زراعة أهلها الزعفران والنيلج والعصفر وقصب السكر، وأما الآن ففيها مدينة الجفار قد أحدقت بها النخيل من كل النواحي وماؤها غزير عذب، ومن الجفار إلى الواحات ثلاثة أيام لا ماء فيها، والواح قرى كثيرة صغار فيها أخلاط من الناس يزرعون النيلج وقصب السكر، وهي على ضفة الجبل الكبير الحاجز بين أرض مصر والصحارى المتصلة بأرض السودان.

جسطة (٣) :

مدينة في جزيرة في البحر الهندي صغيرة يوجد فيها التبر كثيراً وهو غلتهم وشغلهم وإياه يطلبون ومنه معايشهم، وأكلهم السلاحف ولحم الصدف، وعندهم الذرة قليلة، وهم على جون كبير تدخله المراكب وليس لأهل جسطة مراكب ولا دواب يتصرفون عليها إنما يتصرفون بأنفسهم ويستخدم بعضهم بعضاً، وتجار بلاد المهراج يدخلون إليهم ويجالسونهم ويتجرون معهم.

الجسر (٤) :

كانت وقيعة الجسر بالعراق في خلافة عمر رضي الله عنه وكان ندب المسلمين إلى حرب العجم في العراق، وقدم عليهم أبا عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي فكانت بينهم وقائع كلها على العجم، فرجعت المرازبة إلى يزدجرد منهزمين وقد فتح أبو عبيد من بلادهم ما فتح ونزل على الحيرة فشتمهم يزدجرد وأقصاهم ودعا بهمن ذا الحاجب فعقد له على اثني عشر ألفاً وقال له: قدم هؤلاء الذين انهزموا فإن انهزموا فاضرب أعناقهم، فخرج في عدة لم ير مثلها، وبلغ المسلمين مسيرهم إليهم فقال المثنى بن حارثة: إنك لم تلق مثل هذا الجمع ولا مثل هذه العدة، ولمثل ما أتوك به روعة لا تثبت لها القلوب، فارتحل من منزلك حتى تعبر الفرات وتقطع الجسر ويصير الفرات بينك وبينهم، فإن عبروا إليك قاتلتهم واستعنت بالله، قال: إني لأرى هذا وهناً.

وأقبل بهمن فنزل قس الناطف بينه وبين أبي عبيد الفرات، وأرسل إلى أبي عبيد إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك، فقال أبو عبيد: نعبر إليكم، فقال المثنى: أذكرك الله والإسلام أن تعبر إليهم، فحلف ليعبرن، ودعا من عقد له الجسر، فقال سليط بن قيس الأنصاري: يا أبا عبيد اذكرك الله ألا تركت للمسلمين مجالاً فإن العرب من شأنها أن تفر ثم تكر، فاقطع هذا الجسر وتحول عن منزلك وانزل أدنى منزل من البر، ونكتب إلى أمير المؤمنين نعلمه ما قد أجلبوا به علينا ونقيم، فإذا كثر عددنا وجاء مددنا زحفنا إليهم وبنا قوة وأرجو أن يظهرنا الله تعالى عليهم قال: جبنت والله يا سليط، قال: والله لأنا أشد منك بأساً وأشجع منك قلباً، ثم تقدم فعبر، فقال المثنى لأبي عبيد: والله ما جبن ولكن أشار بالرأي وأنا أعلم بقتال هؤلاء منك، لئن عبرت


(١) ديوان امرئ القيس: ١١٣.
(٢) الإدريسي (د/ ب) : ٤٤/ ٢٩ (OG: ١٢٣) .
(٣) نزهة المشتاق: ٢٩، (OG: ٧٩) .
(٤) قارن بالطبري ١: ٢١٧٤، والمؤلف ينقل عن مصدر آخر.

<<  <   >  >>