للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويسكن جيان. ولها أقاليم كثيرة وقرى عامرة وعمائر واسعة.

ومن جيان الحافظ أبو علي الجياني الإمام الضابط (١) . وأنشد بعض أهل جيان عند الخروج منها بتغلب العدو عليها:

أودعكم وأودعكم جناني ... وأنثر عبرتي نثر الجمان

وإني لا أريد لكم فراقاً ... ولكن هكذا حكم الزمان وقال الخطيب بها على المنبر عند العزم على الانفصال عنها في خطبته: وهذه آخر خطبة تقام بجيان ومن أهل جيان الأستاذ أبو ذر مصعب بن محمد بن مسعود بن عبد الله بن مسعود الخشني المعروف بابن أبي ركب (٢) ، وهو القائل بعد خروجه من جيان:

أجيان أنت الماء قد حيل دونه ... وإني لظمآن إليك وصادي

ذكرتك إن هبت شمالاً وإن بدا ... لعيني من تلك المعالم بادي

متى ما أرد سيراً إليك تردني ... مخافة آساد هناك عوادي وكان سكن اشبيلية وولي المناكح بها ثم سكن فاس وأقرأ بها ثم ولي قضاء بلده جيان سنة تسعين (٣) وخمسمائة، ومن شعره:

أيا نخلتي (٤) يوماً بالله أسعدا ... غريباً بكى من فقد أهل وجيران

يحن إلى ظليكما وفؤاده ... رهين بأظعان حللن بجيان

توصل (٥) أقصى الغرب والشرق همه ... ويذكر أوطاناً فحن (٦) لأوطان

وما ذاك عن بغض ولا عن قلى لها ... ولكن عدت (٧) عنها تصاريف أزمان

عسى من قضى بالبعد عنهم بلطفه ... يسدد من حالي ويصلح من شاني

جيجل (٨) :

مدينة قديمة بينها وبين ميلة من أرض المغرب مرحلة وبين جيجل وبجاية خمسون ميلاً، وهي مدينة صغيرة على ضفة البحر، والبحر يحيط بها ويضرب سورها، وهي على نظر كبير وهي كثيرة التفاح والفواكه، وعنها تحمل إلى بجاية، والعنب والرب، وعلى نحو ميل منها جبل بني زلدوي (٩) وهو كثير الخصب وفيه قبائل كثيرة من البربر وفيه كانت دعوة أبي عبد الله الشيعي، وهو جبل كتامة، ولما طرق طاغية صقلية جيجل بنى أهلها في هذا الجبل مدينة حصينة، فهم يسكنون المرسى والساحل في زمن الشتاء فإذا كان زمن الصيف ووقت سفر البحر (١٠) ارتفعوا إلى حصنهم الأعلى البعيد من البحر، وبقي في الأسفل جمع منهم بأمتعتهم متحرزين من العدو. وبجيجل الألبان والسمن والعسل والزروع الكثيرة والحوت المتناهي طيباً، ولها مرسيان: مرسى في جنوبها وعر الدخول صعب لا يدخل إلا بدليل حاذق، ومرسى في جهة الشمال ساكن الحركة كالحوض لكنه صغير لا يحتمل الكثير من المراكب.

وعند جيجل جبل الرحمن، وهي مدينة قديمة على البحر ولها سور قديم يضرب البحر فيه، وهي على نظر كبير كثير


(١) هو الحسين بن محمد الغساني المحدث، توفي سنة ٤٩٨، انظر الصلة: ١٤١، وبغية الملتمس: ٤٢٩، وتذكرة الحفاظ: ١٢٣٣، وابن خلكان ٢: ١٨٠، وأزهار الرياض ٣: ١٤٩.
(٢) ترجمته في التكملة: ٧٠٠، وكانت وفاته بفاس سنة ٦٠٤.
(٣) في ص ع: تسع، وهو لا يتفق وتاريخ مولده سنة ٥٣٣ أو ٥٣٥.
(٤) هكذا في ص ع، ولعله اسم مكان في المغرب وقع فيه تحريف، وقد غيره بروفنسال إلى ((جيان)) ، وذلك وهم، لأن الشاعر يخاطب نخلتين في أقصى الغرب فيتذكر وطنه جيان.
(٥) ص ع: يومل.
(٦) ص ع: تحن.
(٧) ص ع: صدت
(٨) الإدريسي (د/ب) : ٩٧/ ٦٩، والاستبصار: ١٢٨.
(٩) ص ع: زادوي؛ الإدريسي: سوق بني زندوي.
(١٠) الإدريسي: الأسطول.

<<  <   >  >>