للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها يدخل إلى بلاك السودان، وشرب أهلها من آبار عذبة، وبها نخل كثير وتمرها حسن، والعرب تجول بنواحيها وتضر بأهلها، وكان بناها عبد الله بن خطاب الهواري وسكنها هو وبنو عمه سنة ست وثلثمائة، وهي منسوبة إلى هذا الرجل، وهي الآن عامرة، وهي مجمع الرفاق، وإليها يجلب الرقيق ومنها يخرج إلى بلاد إفريقية وغيرها من البلاد.

ولما فتح (١) عمرو بن العاصي برقة وجبل نفوسة بعث عقبة بن نافع حتى بلغ زويلة وافتتحها، وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين. وبقرب زويلة قصر واجان، وهو قصر عظيم على رأس جبل في طرف المفازة، وهو مثل المدينة، فسار إليهم خمسة عشر يوماً، فنزل عليهم وحاصرهم نحو شهر فلم يقدر عليهم، فمضى أمامه على قصور كوار ففتحها وأخذ ملكها فقطع إصبعه، فقال له: لم فعلت هذا. فقال له عقبة: إذا نظرت إلى إصبعك لم تقاتل العرب، وفرض عليهم ثلثمائة وستين رأساً، ثم سألهم هل وراءهم أحد، فلم يعلموا أن وراءهم أحداً، فكر راجعاً على قصر واجان فلم يعرض له ولا نزل عليه، وسار ثلاثة أيام، فلما رأوا أنه لم يعرض لهم أمنوا وانبسطوا، فأقام عقبة بموضع يسمى اليوم ماء الفرس، فنفد ماؤهم وأصابهم العطش حتى كاد يهلكهم، قال: فصلى عقبة بأصحابه ركعتين ودعوا الله تعالى، فجعل فرس عقبة يبحث بيده في الأرض حتى انكشف له صفاة فنبع ماء، فنادى عقبة الناس أن احفروا فاحتفروا، فوجدوا ماء معيناً زلالاً فسمي ماء الفرس، وكان يقال له عقبة المستجاب، ثم كر راجعاً إلى قصر واجان من غير طريقه الذي أقبل منه، فلم يشعروا حتى طرقهم ليلاً فوجدهم مطمئنين فاستباح ما في مدينتهم من ذراري وأموال ونساء، وقتل مقاتلتهم، ثم انصرف راجعاً إلى زويلة، ومن زويلة كر إلى غدامس بعد خمسة أشهر، وسار متوجهاً إلى المغرب وجانب طريق الجادة وأخذ أرض مزاتة، فافتتح قصورهم حتى انتهى إلى قفصة ففتحها وافتتح بلاد قصطيلية ثم انصرف إلى القيروان، فتوفي شهيداً بتهودة، من بلاد الزاب، حسبما يأتي ذكر ذلك في موضعه.

وزويلة (٢) أيضاً إحدى المهديتين، كانت متصلة بالمهدية، وكان السلطان وخاصته وجنوده يسكنون المهدية، والأسواق والناس في زويلة، وكانت حسنة المباني والشوارع، وأهلها مياسير نبلاء ذوو أفهام ثاقبة وطريقة في المعاملات جيدة، وأسوارها عالية حصينة وهي مبنية بالحجر، وبها فنادق وحمامات جمة (٣) ، ولها من جهة البر خندق كبير تستقر فيه مياه السماء، وبخارجها حمى كان قبل دخول العرب إفريقية وإفسادهم لها جنات وبساتين بسائر الثمار العجيبة والفواكه الطيبة، ولم يبق بها الآن من ذلك كله شيء بل خربت زويلة فلم يكد يبقى لها أثر، وحولها قرى كثيرة ومنازل وقصور يسكنها البداة، ولهم زروع ومواش وأغنام وأبقار وإصابات في القمح والشعير، وبها زيتون كثير يخرج منه زيت طيب عجيب يعم سائر البلاد الإفريقية، وكان يتجهز به إلى المشرق، وبين المدينتين (٤) رملة قدر رمية قوس.

الزبداني (٥) :

بلدة كثيرة المياه والأشجار بين دمشق وبعلبك، منها محمد بن هبة الله الأنصاري الزبداني قاضي الزبداني، كان إذا حل ملك كبير ببلده أظهر في ضيافته ما يتعجب منه كثرة واتقاناً، وهو القائل وقد مرض محبوب له:

قد قلت للدهر على أنني ... أنهاه كي يرجع عن حكمه

أمرضت من أهوى وعافيتني ... فقال موت المرء من فهمه

قد نلت من قلبك لما اشتكى ... أكثر مما نلت من جسمه وهو القائل وقد خدم أميراً جميل الصورة:

أحمد الله على ما تم لي ... أنجح السعي وصح الأمل

الذي أخدمه أعشقه ... فمديحي في علاه غزل


(١) من هنا يستمر النقل عن البكري والاستبصار فقط.
(٢) الادريسي (د/ ب) : ١٠٩/ ٧٩.
(٣) ص ع: خمسة.
(٤) يعني المهدية وزويلة.
(٥) ص ع: الزيدان؛ وهو وهم جعل المؤلف يؤخر هذه المادة إلى هذا الموضع، وانظر ابن خلكان ٤: ٢٦ في ضبط الاسم وتحديد موقعه؛ وهي معروفة إلى اليوم.

<<  <   >  >>