للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أول ما يلقى من منى في رأس العقبة عن يسار الداخل في منى في ناحية مكة، والحصاة قربان فما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل بقي، وليس على الحاج بمنى صلاة العيد، وإنما صلاتهم في ذلك اليوم وقوفهم بالمشعر الحرام، وأيام منى أيام ذكر الله تعالى والأيام المعدود (١) ات أيام منى الثلاثة، ويرمى فيها بالجمار، وهي أيام التشريق، وليس يوم النحر منها، والأيام المعلومات: يوم النحر واليومان اللذان بعده، وفي سفح الجبل على جمرة العقبة مسجد في حائطه من ناحية الجنوب حجر مبسوط أدكن، فيه أثر قدم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، حين أضجعه للذبح فركض برجله، فلان له الحجر فغرق رجله فيه، وفي هذا الموضع في عرض الجبل أثر مجر الكبش، ثم تدخل منى فتلقى الجمرة الثانية عن يسارك بينها وبين جمرة العقبة أربعمائة ذراع، ثم الجمرة الثالثة وهي وسط المحجة، بينها وبين الجمرة الوسطى ثلثمائة ذراع وخمسون ذراعاً.

منبسة (٢) :

مدينة في بلاد الزنج على الساحل صغيرة، وأهلها متحرفون باستخراج الحديد من معدنه والصيد للنمور، وكلابهم حمر تغلب كل الذئاب وجملة السباع، وهي في نهاية من القهر لها، وهي على البحر وعلى ضفة جون (٣) كبير تدخله المراكب مسيرة يومين، وليس عليه شيء من العمارة، والوحوش تستقر في غياض ضفتيه معاً، فهم يصيدونها هناك، وفي هذه المدينة سكنى ملك الزنج، وأجناده يمشون رجالة لأن الدواب ليست عندهم ولا تعيش بأرضهم.

[مصر:]

هي الفسطاط، وهي خاصة بلاد مصر. وفي سنة تسع عشرة فتح عمرو بن العاصي مصر والإسكندرية، وقيل سنة عشرين، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وجاء في الأثر: من أخرب خزائن الله فعليه لعنة الله، وخزائن الأرض هي مصر، أما سمعتم قول يوسف " اجعلني على خزائن الأرض "، وقالوا: مكتوب في التوراة: مصر خزائن الله فمن أرادها بسوء قصمه الله. وفي السير أن هاجر أم إسماعيل عليهما السلام وأم العرب من قرية كانت أمام الفرما من مصر.

وبمصر من المنافع والمصانع والبساتين والغرف المشرفة على النيل والقصور ما يبهج العيون ويطرب المحزون، وبين مصر والقاهرة نحو ثلاثة أميال، والقاهرة محدثة من بناء العبيديين.

قالوا (٤) : ولما كانت سنة ثمان عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وقدم عمر رضي الله عنه الجابية، خلا به عمرو بن العاصي رضي الله عنه وقد كان دخل مصر في الجاهلية وجرى له فيها خبر الكرة، وكان عمرو بن العاصي رضي الله عنه يعرف أحوال مصر، فجعل عمرو يعظم عند عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أمرها، ويعرفه بكثرة جبايتها، ويهون عليه فتحها حتى ركن عمر رضي الله عنه إلى قوله، فعقد له على أربعة آلاف وجهزهم معه وقال له: سر وأنا أستخير الله تعالى، وسيأتيك كتابي سريعاً بما أرى إن شاء الله تعالى، فإن أدركك كتابي آمرك به بالانصراف قبل أن تدخل أرض مصر فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره. فسار عمرو بن العاصي رضي الله عنه في جوف الليل ولم يشعر به أحد، واستخار عمر رضي الله عنه، فكأنه تخوف على المسلمين، فكتب إلى عمرو يأمره بالانصراف بمن معه، فأدركه الرسول وهو برفح، وتخوف عمرو إن قرأ الكتاب أن يكون فيه أمر بالإنصراف، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه حتى نزل قرية قريبة من العريش، فسأل عنها فقيل له إنها من أرض مصر، فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين، ثم قال: ألستم تعلمون أن هذه القرية من أرض مصر؟ فقالوا: بلى، قال لهم: فإن أمير المؤمنين عهد إلي أنه إن لحقني كتابه وأنا لم أدخل أرض مصر أن أرجع بمن معي، وإن كتابه لم يلحقني حتى دخلت أرض مصر، فسيروا على بركة الله تعالى، فساروا حتى توسطوا بلاد مصر، فنزل عمرو بموضع على النيل، وهو الفسطاط، ولم تكن فيه حينئذ مدينة، وإنما بنى الفسطاط عمرو، وكان ملك مصر في ذلك الزمان المقوقس، وهو الذي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مارية القبطية، فلما سمع المقوقس دخول المسلمين بلاده ونزولهم الفسطاط، ولم يكن لديه علم، راعه ذلك فنظر في توجيه الجنود إليهم. وكتب عمرو إلى عمر يستمده فأمده بأربعة آلاف. ويقال إن أسقفاً كان بالإسكندرية من أهل العلم بالكوائن لما بلغه قدوم عمرو بالمسلمين إلى بلاد مصر، كتب إلى القبط يعلمهم أن ملكهم قد انقطع ويأمرهم بتلقي عمرو


(١) سقط من ع.
(٢) نزهة المشتاق: ٢٢ (OG: ٥٩) ، وانظر بسط الأرض، وتقويم البلدان: ١٥٢.
(٣) نزهة المشتاق: خور.
(٤) فتوح مصر لابن الحكم: ٥٦ وما بعدها.

<<  <   >  >>