للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما كان موضوعاً على الجمر وينضج، ثم يؤكل ما نضج أو يرمى به عنها، وتلقى السمكة في الماء ما لم ينكسر العظم الذي هو فقار السمكة، فتعيش السمكة وينبت على ظهرها اللحم، فأمر غسان بحفر بركة في داره وملأها ماء وأمر بامتحان ما بلغه، قال: فكنا نؤتى في كل يوم بعدة من لحم هذا السمك، فنشويه على الحكاية التي ذكرت لنا، ونكسر من بعضه عظم الصلب ونترك بعضه لا نكسره، فكان ما كسرنا عظمه يموت وما لم نكسرعظمه يسلم وينبت عليه اللحم ويسوى (١) الجلد، إلا أن جلد تلك السمكة يشبه جلد الجدي الأسود، وكان ما كسرناه من لحوم السمك التي شويناها ورددناها إلى الماء يكون على غير لون لجلد الأول لأنه يصير إلى البياض. ويعضد هذا ما حكي أن بقرب بلاد كشك نهراً عظيماً كالفرات يصب في بحر الروم، تأتيهم في كل سنة من هذا النهر سمكة عظيمة فيتناولون منها، ثم تعود في العام الثاني ذلك الوقت وقد عاد اللحم الذي أخذ منها، يعرفون ذلك لا يشكون فيه.

الموريان (٢) :

قرية بالأهواز منها أبو أيوب سليمان بن مخلد، وقيل سليمان بن داود المورياني وزير أبي جعفر المنصور، وقيل إنه مولاه اشتراه بالجزيرة إذ كان يليها لأخيه أبي العباس، ولأبي جعفر المنصور والمورياني قصة عجيبة بسببها قتل المنصور المورياني (٣) .

الموصل (٤) :

في الجانب الغربي من دجلة وسميت بهذا الاسم لأنها وصلت بين الفرات ودجلة، وشرب أهلها من ماء الدجلة، وبساتينها قليلة، وضياعها ومزدرعاتها ممتدة، وأبنيتها بالجص والحجارة، ولها رساتيق عظيمة وكور كثيرة.

وهي مدينة (٥) عتيقة ضخمة عليها سوران وثيقان، وباطن الداخل منهما بيوت بعضها على بعض مستديرة بجداره المطيف بالبلد كله، قد أمكن فتحها فيه لغلظ بنيته وسعة وضعه، فللمقاتلة في هذه البيوت حرز ووقاية، وهي من المرافق الحربية، وفي أعلى البلد قلعة عظيمة قد رص بناؤها رصاً، عليها سور وثيق البنية مشيد البروج، وتتصل بها دور السلطان، ويفصل بينها وبين البلد شارع متصل ممتد من أعلى البلد إلى أسفله، ودجلة شرقي البلد متصلة بالسور وأبراجه في مائها، وللبلد ربض كبير فيه المساجد والحمامات والخانات والأسواق، وأحدث فيها أحد أمراء البلد، كان يعرف بمجاهد الدين (٦) ، جامعاً على شط دجلة ما رؤي أحفل منه، وأمامه مارستان حفيل، وبنى بداخل البلد قيسارية للتجار عليها أبواب حديد، وتطيف بها دكاكين وبيوت بعضها على بعض بأبدع بناء، وللمدينة جامعان: أحدهما جديد والآخر من عهد بني أمية، وفي وسط صحن هذا الجامع الجديد سارية رخام قائمة قد خلخل جيدها بخمسة خلاخل مفتولة فتل السوار من جرم رخامها، وفي أعلاها جامة رخام مثمنة يخرج عليها أنبوب من الماء خروج انزعاج وشدة، فيرتفع في الهواء أزيد من القامة كأنه (٧) قضيب بلور معتدل، ثم ينعكس إلى أسفل القبة. ويجمع في هذين الجامعين القديم والحديث، ويجمع أيضاً في جامع الربض.

وفي المدينة مدارس للعلم نحو الست أو أزيد قد بنيت على دجلة فتلوح كأنها القصور ولها مارستان. وبهذه المدينة مشهد جرجيس.

وإذا عبرت دجلة نحو الميل ظهر لك تل التوبة، وهو التل الذي وقف عليه يونس عليه السلام بقومه، ودعا ودعوا حتى كشف الله عنهم العذاب، وبمقربة منه (٨) ، على قدر الميل أيضاً، العين المباركة المنسوبة إليه عليه السلام ويقال إنه أمر قومه بالتطهر منها وإظهار التوبة ثم صعدوا إلى التل داعين، وفي هذا التل بناء عظيم هو رباط يشتمل على بيوت كثيرة ومقاصير، يضم الجميع باب واحد، وفي وسط ذلك البناء بيت ينسدل عليه ستر ويغلق عليه باب مرصع كله يقال إنه كان الموضع الذي وقف فيه يونس عليه السلام، ومحراب هذا البيت يقال إنه كان بيته الذي


(١) ص ع: ويشوى؛ ولعل الصواب ((ويثوب)) .
(٢) انظر ياقوت (موريان) .
(٣) أورد ابن خلكان هذه القصة ٢: ٤١١ - ٤١٤ وهي من زيادات بعض النسخ التي اعتمدت عليها في هذه الطبعة المشار إليها، ولا توجد في الطبعات السابقة، ومصدر القصة كتاب ((الجليس والأنيس)) للمعافي بن زكريا.
(٤) نزهة المشتاق: ١٩٩.
(٥) رحلة ابن جبير: ٢٣٤، والنص هنالك ينقصه قوله ((وعليها سوران وثيقان)) مما أخل بالسياق.
(٦) هو مجاهد الدين قايماز الزيني كان يتولى أمور اربل نيابة عن زين الدين ابن بكتكين ثم تحول إلى الموصل سنة ٥٧١ وسكن قلعتها وتولى أمور تدبيرها، وبني بظاهرها جامعاً كبيراً ومدرسة وخانقاه، وتوفي سنة ٥٩٥ (ابن خلكان ٤: ٨٢ - ٨٤) .
(٧) ص ع: كأنها.
(٨) ربما قرئت في ص ع: وبقرية.

<<  <   >  >>