للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حجر واحد وعتبته حجر واحد فيه نحو مائة اسطوانة وفي نحو الشمال منه اسطوانة عظيمة لم يسمع بمثلها، غلظها ستة وثلاثون شبراً وهي في العلو بحيث لا يدرك أعلاها قاذف حجر، وعليها رأس محكم الصناعة يدل على أن بناء كان عليها، وتحتها قاعدة حجر أحمر بديع الشكل محكم عرض كل ضلع من أضلاعه عشرون شبراً في ارتفاع ثمانية أشبار، والاسطوانة منزلة في عمود من حديد قد خرقت به الأرض، فإذا اشتدت الرياح رأيتها تتحرك وربما جعلت تحتها الحجارة فتطحنها لشدة حركتها، وهذه الاسطوانة من عجائب العالم، ويقال إن الجن صنعتها لسليمان عليه السلام، وكانت في وسط قبة وحولها أساطين، وعلى الكل قبة شبه الصحفة من حجر واحد رخام أبيض بأحسن صنعة وأغرب إتقان، فلما مات سليمان رفعت الجن تلك القبة ورمت بها في البحر فإنها كانت من أغرب ما عملت الجن لسليمان عليه الصلاة والسلام.

ودخل بعض ملوك مصر الإسكندرية ورأى قصرها فرآه عجيب الشان غريب البنيان فدعا الصناع وسألهم أن يبنوا له مثله فقالوا: لا نقدر على ذلك، فعزم عليهم، فقام إليه شيخ فقال: أنا أبني لك مثله وأحسن منه إن فعلت لي ما أريد، قال: بلى، قال: ايتوني بثورين مطيقين وعجلة فأمر له بذلك، فدخل مقابر الأولين فيها واحتفر قبراً منها واستخرج جمجمة عظيمة فوضعها في العجلة فما جرها الثوران إلا بعد مشقة وجهد فجاءه بها فقال: أصلح الله الملك إن أعطيتني من تكون رؤوسهم مثل هذا الرأس بنيت لك مثل هذا القصر، فعلم أنه لا يقدر على ذلك. ورئي بالإسكندرية قصاب عنده ضرس إنسان يزن به اللحم زنته ثمانية أرطال. وكان بالإسكندرية دار ملعب قد تهدم أكثرها، وكانت قد بنيت بضروب من الحكمة، وكانوا يجلسون فيها لقضاء حوائجهم وأخذ آرائهم، فكان كل جالس فيها إنما جلوسه تلقاء وجه صاحبه لا يخفى على أحد منهم شيء من حال غيره يتساوى قريبهم وبعيدهم في ذلك، وكان لهم يوم مهرجان يجتمعون فيه في هذا الملعب ويحضره رؤساؤهم وأبناء ملوكهم وعامتهم ويلعب فيها الفتيان بالصوالج وبينهم كرة فإن دخلت تلك الكرة كم رجل ممن حضر ذلك اليوم فلا بد له من ولاية مصر، كان هذا عندهم معروفاً لا ينكره أحد. وكان عمرو بن العاصي رضي الله عنه قد سافر إلى الإسكندرية في الجاهلية تاجراً بالقطن والأدم فحضر ذلك الملعب في ذلك اليوم، فلعبوا فيه بالكرة، فدخلت كم عمرو بن العاصي رضي الله عنه، فعجبوا من ذلك وقالوا: ما كذبتنا هذه الكرة قط إلا اليوم، فكان ما قدر الله تعالى من مجيء الإسلام وولاية عمرو بن العاصي رضي الله عنه مصر ثلاث مرات.

والإسكندرية تعجب كل من رآها لبهجتها وحسن منظرها وارتفاع مبانيها وإتقانها وسعة شوارعها وطرقاتها، وهي برية بحرية وفيها من النعم والأرزاق والفواكه ما ليس ببلد، مع طيب هوائها وتربتها. ومن المفسرين من قال إنها إرم ذات العماد، وقال عوف بن مالك حين دخل الإسكندرية لأهلها ما أحسن مدينتكم، فقالوا له: إن الإسكندر حين بناها قال: أبني مدينة إلى الله فقيرة وعن الناس غنية، فبقيت بهجتها على الدهور، وكان الفرما أخوه قال: أبني مدينة غنية عن الله فقيرة إلى الناس فذهبت بهجتها ولا يزال ينهدم كل يوم فيها شيء. وأمر ملك الروم مرة باحصاء ملوك الإسكندرية ورؤسائها خاصة، فوجدهم ستمائة ألف ملك، وأخبار هذا الصقع كثيرة مستقصاة في المطولات فلنقتصر على هذا القدر.

إسكندرونة (١)

مدينة أو حصن بينه وبين انطاكية خمسة وأربعون ميلاً، وهو حصن على ساحل البحر فيه نخيل وزروع كثيرة وغلات، وبينها وبين المصيصة أربعون ميلاً.

اسبيجاب (٢)

مدينة متصلة ببلاد الشاش لها قهندز وربض ودار الإمارة والجامع في المدينة الداخلة، وفي ربضها مياه وبساتين، وهي مدينة في مستو من الأرض، وهي ذات خصب وسعة، وليس بخراسان كلها وما وراء النهر منها بلد لا خراج عليه إلا اسبيجاب.

أسطور (٣)

مدينة من مدن الكيماكية، وهم بشر كثير وخلق عظيم من المجوس يعبدون النار، وأسطور عامرة بالأتراك ممتدة الزراعات ومياهها كثيرة وغلاتهم الحنطة والأرز، وبها معدن الحديد ويصنع الصناع بها منه كل عجيبة، وأهلها أنجاد لهم عزم ولذلك لا يمشون إلا وهم حذرون شاكون في سلاحهم وهم أشجع


(١) نزهة المشتاق: ١٩٥.
(٢) يكتبها ياقوت: أسفيجاب، وانظر ابن حوقل: ٤١٨.
(٣) كذا في الأصل، وفي نزهة (٢٢٥) : أمطور، وترد ((بالسين)) في بعض المواضع.

<<  <   >  >>