للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ ذِكْرِ اجْتِمَاعِ الشُّعَرَاءِ بِسُوقِ عُكَاظٍ وَتَنَاشُدِهِمُ الأَشْعَارَ

قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ تُضْرَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ أَدَمٍ بِسُوقِ عُكَاظٍ، فَتَأْتِيهِ الشُّعَرَاءُ فَتَعْرِضُ عَلَيْهِ أَشْعَارَهَا، فَأَوَّلُ مَنْ أَنْشَدَهُ الأَعْشَى، ثُمَّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ الْخَنْسَاءُ أَبْيَاتَهَا الَّتِي تَقُولُ فِيهَا:

وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ ... كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ

فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ أَنْشَدَنِي آنِفًا لَقُلْتُ إِنَّكِ أَشْعَرُ أَهْلِ زَمَانِكِ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ.

فَقَامَ حَسَّانٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ، لأَنَا أَشْعَرُ مِنْهَا وَمِنْكَ وَمِنْ أَبِيكَ.

فَقَالَ لَهُ النَّابِغَةُ: حَيْثُ تَقُولُ مَاذَا؟ فَقَالَ حَسَّانٌ، حَيْثُ أَقُولُ:

لَنَا الَجَفَنَاتُ الْغُرُّ تَلْمَعْنَ فِي الضُّحَى ... وَأَسْيَافُنَا تَقْطُرْنَ مِنْ مَجْدِهِ دَمَا

وُلِدْنَا بَيْنَ الْعَيْقَاءِ وَابْنِ مَخْرَقٍ ... فَأَكْرِمْ بِنَا خَالا وَأَكْرِمْ بِنَا أُمَّا

فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ قُلْتَ: لَنَا الْجَفَنَاتُ، فَقَلَّلْتَ عَدَدَكَ، وَقُلْتَ: يَلْمَعْنَ فِي الضُّحَى، وَلَوْ قُلْتَ فِي الدُّجَا لَكَانَ فَخْرًا؛ لأَنَّ الضِّيفَانَ يَكْثُرْنَ بِاللَّيْلِ، وَقَلَّلْتَ عَدَدَ أَسْيَافِكَ فَقُلْتَ: يَقْطُرْنَ، وَلَوْ قُلْتَ: يَجْرِينَ لَكَانَ أَكْثَرَ لِلدِّمَاءِ، وَفَخَرْتَ بِمَنْ وَلَدَتْكَ، وَلَمْ تَفْخَرْ بِمَنْ وَلَدَكَ.

وَقَدْ كَانَ الزَّجَّاجُ يُنْكِرُ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيَقُولُ: إِنَّ الأَلِفَ وَالتَّاءَ تَأْتِي لِلْكَثْرَةِ.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: ٣٧] .

وَقَالَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] .

وَقَالَ: {فِي جَنَّاتِ} [التوبة: ٧٢] .

<<  <   >  >>