للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧ - حاولت التعرف على مصادر المؤلف، وعرفت بها قدر الإمكان. ٨ أصلحت الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية والصرفية، المشتركة بين جميع النسخ دون أن أشير إليها، إلا عند الضرورة رغبة في التخفيف على الهوامش. ٩ شرحت من ألفاظ النص، ومعانيه ما أراه ضرورياً للفهم، من توضيح لمبهم، أو تجميع لمفرق، أو ترجيح لرأي، أو بيان لوهم، أو مقارنة لاجتهادات بين المذاهب. ١٠ بينت الكلمات والمصطلحات الغريبة، وغير العربية تركية أو فارسية أو عامية، بالرجوع إلى عدة قواميس. ١١ تركت ذكر الفروق بين النسخ في ألفاظ الثناء على الله تعالى، والصلاة على نبينا محمد (ص) ، والترضي والترحم على الصحابة والأخيار، وغير ذلك مما لا يضر ترك ذكره ومما يثقل الهامش. ١٢ ترجمت للأعلام الوارد ذكرها في المصنف قدر المستطاع ترجمة شبه وافية، كي يستفيد منها القارئ، وذكرت بعض أهم مراجع الترجمة لمن أراد التوسع في ذلك. ١٣ أثبت النص المحقق، المستخلص من النسخ كلها، وفق قواعد الإملاء الحديثة. ١٤ أثبت الفروق بين النسخ، في هامش كل صفحة من صفحات النص، مرقمة بأرقام هندية؛ وأثبتت في الهامش الجانبي الأيمن بيان بداية كل صفحة من صفحات المخطوطات مرقمة بأرقام هندية. ١٥ التعليقات والشروح المثبتة في حواشي المخطوطة، أشرت إليها ضمن الفروق بين النسخ في هامش كل صفحة بأرقام هندية، أما الحواشي التي هي من صميم النص فقد أدرجتها في النص وأشرت إلى ذلك في الهامش. ١٦ التعليقات على القسم الدراسي والنص، مما سوى الفروق بين النسخ، رقمتها بأرقام عربية، ودونتها في هامش خاص آخر الكتاب، نظراً لطولها وأهميتها، وتعذر استيعاب هوامش صفحات النص لها. ١٧ مهدت للكتاب المحقق، بدراسةٍ عن تطور الأوضاع السياسية في الدول الإسلامية منذ وفاة رسول الله (ص) إلى عصر المؤلف، ورصدٍ لحركة تطور الفقه السياسي طيلة الفترة نفسها، وبيان لأهم ما أثارته " التحفة " من مواضيع فقهية وسياسية، وترجمةٍ لحياة المؤلف وأسرته، وشيوخه ومصنفاته، وعصره، ومدى تأثيره، مما رأيته ضروريا لفهم الكتاب ومكانته بين كتب الأحكام السلطانية التي سبقته. ١٨ وضعت ثبتاً لأهم المراجع التي استفدت منها في الدراسة والتحقيق. ١٩ وضعت من الفهارس ما رأيته ضرورياً لزيادة الفائدة.

[القسم الدراسي]

[مدخل إلى عصر المؤلف]

[تمهيد]

يشكل العصر الذي عاش فيه نجم الدين إبراهيم الطرسوسي (١) القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي - نقطة تحول خطيرة في التاريخ الإسلامي؛ ففيه تراكمت كل سلبيات نظم الحكم السابقة، وأنتجت ثمارها في جميع مجالات السيادة والسياسة، والاقتصاد والاجتماع والقوة العسكرية. وكان بذلك قاعدة الارتكاز التي استندت إليها معظم حالات الانهيار والتفسخ، والممارسات المنحرفة التي آلت إليها أوضاع البلاد والعباد؛ من بداية عهد بني أمية، إلى أن اقتسم المماليك أقطارها، ثم ورثها بعدهم آل عثمان. ومن سقوط الأندلس وكافة جزر الأبيض المتوسط في يد الصليبيين، إلى أن سقطت البلاد كلها بيد الاستعمار، في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين؛ ثم تحررت شكلياً منه في إطار دويلات قطرية، تتعاقب عليها - رغم أنف شعوبها - نظم عشائرية أو عسكرية، بنهج وراثي أو انقلابي تحت مظلة الحماية الأجنبية. ولا عبرة بحالات عابرة مرت بها المنطقة منذ عصر الأمويين، أطلق عليها مراحل نهوض ويقظة وتقدم، لأنها لم تكن سوى طفرات عابرة، أثمرتها محاولات فردية فوقية تحكمية، لم تؤسس على قاعدة متينة من نظام سياسي رشيد، أو نضج فكري، أو نظرة عميقة تستشرف المستقبل وتخطط له. في هذا القرن لاحت لدى أمم النصرانية في أوربا مؤشرات التوجه نحو النهضة، بانبعاث الروح الدينية لدى حكامها وشعوبها، مع ما صاحب ذلك من الشعور بالانتماء إلى أرض الأندلس وجزر المتوسط، ومواطن مقدساتهم في الشام، والبغض الشديد للمسلمين الذين اعتبروهم أغراباً عن دينهم وقومهم وأرضهم؛ فكانت هذه العوامل كفيلة بتوحيد صفوفهم، وتجاوز تناقضاتهم القطرية والعرقية واللغوية، وخلافات أسرهم الحاكمة، من أجل أهداف توحد ولا تفرق ومناهج في مكافحة المسلمين تعصم من التآكل الذاتي، وتوجه لالتهام أراضي الغير وممتلكاته. كما ظهرت لديهم بوادر النضج السياسي، ببروز ملامح دولة المؤسسات، التي تتكامل فيها مراكز القوة ولا تهيمن على بعضها، ويضيق فيها مجال الاستئثار بالقرار والاستبداد بالرأي، فكانت مؤسسة الكنيسة المستقلة بنفوذها لدى الحكام والشعوب، ومؤسسة الإقطاع بقوته الاقتصادية التي تمول الحروب وتستثمرها، ومؤسسة الأسر الحاكمة المحتاجة إلى تزكية الكنيسة وأموال الإقطاع؛ وتكونت من هذه الأقانيم الثلاثة وحدة القرار الأوربي، فتحقق بها مستوى معقول من الرشد السياسي والحربي في الميدانين الداخلي والخارجي، ووضعت أوربا بذلك رجلها في طريق النهضة التي آلت بها إلى حالة الغلبة والهيمنة، التي تعيشها في العصر الحاضر. بدأت أوربا نهضتها من أسفل السلم، من الجهل والضياع، ثم بالتجربة والتعقل وحرية الفكر، تدرجت في معارج النضج والتطور والقوة والرقي. أما المسلمون فبالعكس، وضعهم الإسلام في قمة الرشد السياسي، حرية فكر، ومساواة، وشورى، وسلماً اجتماعياً؛ ثم ما لبثوا أن ارتكسوا في رعوناتهم وأهوائهم، وتدحرجوا في مهاوي فتنة الحكم وصراع السلطة، جيلاً بعد جيل، نزواً على الكراسي ونطاً على العروش، بمختلف الأساليب الهمجية، وراثة وغلاباً.

[فترة الرشد السياسي لدى المسلمين]

كان الرشد أول عهد المسلمين بأمر الحكم؛ فالقرآن الكريم جعل أمرهم شورى بينهم، لا فرق بين عربي وأعجمي أو أبيض وأسود وأحمر، إلا بالتقوى. والرسول (ص) عندما حضرته الوفاة لم يستخلف أحداً؛ وكل ما قيل أو روي في موضوع الاستخلاف لا يثبت عند السبر والنقد. والثابت أن المسلمين تركوا أحراراً في اختيار القيادة الجديدة. إلا أن ولاءهم كان موزعاً بين عدة مراكز للاستقطاب العائلي والقبلي، كما هو شأن المجتمعات القبلية ذات العصبية. فكان أولاهم بالأمر، بمقياس العلم والفقه والعصبية الدينية والعائلية والقبلية، علي بن أبي طالب (٢) - رضي الله عنه - لدى بني هاشم وقريش والمسلمين؛ وبمقياس عصبية القبيلة والنصرة سعد بن عبادة (٣) لدى الخزرج، وأسيد بن حضير (٤) لدى الأوس؛ وبمقياس عصبية الأسرة والقبيلة والرئاسة في الجاهلية، دهاة بني أمية، أبو سفيان (٥) ومعاوية (٦) ومروان بن الحكم (٧) وحليفهم عمرو بن العاص (٨) . وكان حرياً بكل قبيلة أن تتخذ من زعيمها - إن بويع بالخلافة -، جسراً لاحتكار السلطة وتداولها بعد وفاته. وكانت قبائل من العرب - ضمنها أهل مكة أنفسهم - يتململون نحو الردة. فلو اجتمعت فتن الردة، والصراع على السلطة، والتشوف لاحتكارها، على المسلمين، لكانت الطامة الكبرى على الإسلام نفسه. وهذا مفتاح فهم تصرفات قادة الصحابة المبرزين بعد وفاة الرسول (ص) ، علي وأبي بكر (٩) وعمر (١٠) - رضي الله عنهم -. في هذه الفترة الحرجة قيض الله للأمة هؤلاء الأقطاب الثلاثة، أمدهم بالرشد والوعي، وبعد النظر، وإيثار بقاء الإسلام على تحقيق أي مكاسب دنيوية.

<<  <   >  >>