للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قال: الظاهرُ منها غيرُ مرادٍ، قيلَ له: الظاهرُ ظاهرانِ: ظاهرٌ يليقُ

بالمخلوقينِ ويختصُّ بهم، فهو غيرُ مراد، وظاهرٌ يليقُ بذي الجلالِ والإكرامِ.

فهو مرادٌ، ونفيهُ تعطيلٌ.

ولقد قال بعضُ أئمةِ الكلامِ والفلسفةِ من شيوخ الصوفيةِ الذي يحسنُ به

الظنَّ المتكلمونَ: إن المتكلمينَ بالغُوا في تنزيهِ اللَّهِ عن مشابهةِ الأجسامِ.

فوقعُوا في تشبيهه بالمعاني، والمعانِي محدَثةٌ كالأجسامِ، فلم يخرجُوا عن

تشبيهه بالمخلوقاتِ.

وهذا كلُّه إنَّما أتى من ظنِّ أن تفاصيلَ معرفةِ الجائزِ على اللَّه والمستحيلِ

عليه يُؤخذُ من أدلةِ العقولِ، ولا يُؤخذُ مما جاءَ به الرسولُ.

وأمَّا أهلُ العلم والإيمانِ، فيعلَمون أنَّ ذلك كلَّه متلقًى مما جاء به الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - وأنَّ ما جاءَ به من ذلك عن ربِّه فهو الحقُّ الذي لا مزيدَ عليه، ولا عدولَ عنه، وأنه لا سبيل لتلقي الهُدى إلا منه، وأنه ليس في كتاب اللَّه ولا سنة رسولِهِ الصحيحة ما ظاهرُه كفرٌ أو تشبيهٌ أو مستحيلٌ، بل كلُّ ما أثبته اللَّهُ لنفسِهِ، أو أثبته له رسولُهُ - صلى الله عليه وسلم -، فإنه حق وصدقٌ، يجبُ اعتقادُ ثبوتِهِ مع نفْي التمثيلِ عنه، فكما أنَّ اللَّهَ ليس كمثلِهِ شيء في ذاتِهِ، فكذلك في صفاتِهِ.

وما أُشكلَ فهمُهُ من ذلك، فإنه يقالُ فيه ما مدَح اللَّه الراسخينَ من أهل

المحلم، أنهم يقولون عند المتشابهاتِ: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) .

وما أمر به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في متشابِهِ الكتابِ، أنه يُردُّ إلى عالمِهِ، واللَّهُ يقول الحقَّ ويهدي السبيلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>