للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما لا يُقالُ: الخالقُ والمخلوقُ لا يفنيانِ، ويرادُ به أنَّ المخلوقَ وحدَه يقنى، ولا يقالُ: الدنيا والآخرةُ لا تبقيانِ، ويُرادُ به أنَّ الدنيا وحدها تفْنى، ولا يُقالُ: إنَّ محمدًا ومسيلمةَ لا يصدَّقانِ أو لا يكذَّبانِ، ويرادُ به صدقَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وحده، وكذبُ مسيلمة وحدَه، فإن هذا كلَّه استعمالٌ قبيحٌ ممنوعٌ؛ ولا يُعهدُ مثلُه في كلامِ أحدٍ ممنْ يُعتدُّ بهِ.

وقولُ أحمدَ بعد هذا: "نسألُ اللَّهَ التثبيتَ أن لا يُزيغَ قلوبنَا بعدَ إذْ هدَانا"

يدلُّ على أنَّ القولَ بخلافِ ذلك عندَهُ من الضلالِ والزيغ، وقد صرَّح بهذا

فيما نقلَهُ عنه حربٌ، قال حربٌ في مسائِلِهِ: هذا مذهبُ أئمة أهل العلمِ

وأصحابِ الأثرِ، وأهلِ السنةِ المعروفينَ بها، المقتدَى بِهِم، وأدركتُ من

أدركتُ من علماءِ أهل العراقِ والحجازِ والشامِ وغيرِهم، فمن خالف شيئًا مِنْ هذه المذاهبِ أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدعٌ خارجٌ من الجماعةِ، زائلٌ عن منهج السنة وسبيلِ الحقِّ، وهو مذهبُ أحمدَ، وإسحاق والحميديِّ، وسعيدِ بنِ منصورٍ، وغيرِهم ممَّن جالسْنَا، وأخذنا عنهم العلمَ، فكانَ من

قولِهِم: الإيمانُ قولٌ وعملٌ - وذكرَ العقيدةَ ومن جملتها - قالَ: ولقد خُلِقتِ الجنةُ وما فيها وخُلِقَتِ النارُ وما فيها، خَلَقَهما اللَّهُ ثم خلقَ الخلقَ لهما لا يفنيانِ، ولا يفْنى ما فيهما أبدًا، فإن احتجَّ مبتدعٌ أو زنديقٌ بقولِ اللَّهِ تعالى: (كلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) ، ونحو هذا، فقلْ له: كل شيء ممَّا

كتبَ اللَّهُ عليه الفناءَ والهلاكَ هالكٌ، والجنةُ والنارُ خلقتا للبقاءِ لا للفناءِ ولا

للهلاكِ، وهُما من الآخرةِ لا من الدُّنيا. . . وذكر بقيةَ العقيدةِ.

فقوله في آخرِ كلامِهِ: "خلقتا للبقاءِ لا للفناءِ ولا للهلاكِ " يبطل تأويلَ مَنْ

تأوَّلَ أولَ الكلامِ على أنَّ المرادَ به لا يفْنى مجموعُهُما.

<<  <  ج: ص:  >  >>