للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليَّ السنةُ أريدُ أن أسألَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فأتهيبُ منه، وإن كنَّا لنتمنَّى الأعرابَ.

وفي "مسند البزارِ" عن ابنِ عباسٍ، قال: ما رأيتُ قومًا خيرًا من

أصحابِ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ما سألوه إلا عن اثنتي عشرةَ مسألةً، كلُّها في القرآنِ:

(يَسْاَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) ، (يَسْاَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الْحَرَامِ) ، (وَيَسْاَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى) ، وذكر الحديثَ.

وقد كانَ أصحابُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا يسألونَهُ عن حكم حوادثَ قبلَ وقوعِهَا، لكن للحملِ بِهَا عند وقوعِها، كما قالُوا لهُ: إنَّا لاقُو العدوِّ غدًا، وليسَ معنا مُدًى، أفنذبحُ بالقصَبِ؛ وسألُوه عن الأُمراءِ الذين أخبر عنهم بعدَه، وعن

طاعتِهِم وقتالِهِم، وسألهُ حذيفةُ عن الفتن، وما يصنعُ فيها.

فهذا الحديثُ، وهو قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -:

"ذَرُوني ما تركْتُكُم، فإنَّما هلَكَ من كان قبلَكُم بكثرةِ سُؤالِهِم واختلافِهِم على أنبيائِهِم " يدلُّ على كراهةِ المسائلِ وذمِّها، ولكن

بعضَ الناسِ يزعمُ أنَّ ذلكَ كان مختصًا بزمنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لما يخشى حينئذٍ من تحريمِ ما لم يُحرَّم، أو إيجابِ ما يشقُّ القيامُ به، وهذا قد أُمِنَ بعد وفاتِهِ - صلى الله عليه وسلم -.

ولكن ليسَ هذا وحده هو سببَ كراهةِ المسائلِ، بل له سببٌ آخرُ، وهو

الذي أشارَ إليه ابنُ عباسٍ في كلامِهِ الذي ذكرنا بقوله: ولكن انتظرُوا، فإذا

نزلَ القرآنُ، فإنكم لا تسألون عن شيءٍ إلا وجدتم تبيانَهُ.

ومعنى هذا: أنَّ جميعَ ما يحتاجُ إليه المسلمونَ في دينهم لا بدَّ أن يُبينه اللَّهُ في كتابِهِ العزيزِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>