للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومٍ أخرَّجَه اللَّهُ إلى أهلِ الدنيا إلا يُنادِي: ابنَ آدمَ، اغتنمني، لعلَّه لا يومَ

لك بعدِي، ولا ليلةَ إلا تنادي: ابنَ آدمَ، اغتنمنِي، لعلَّه لا ليلةَ لك بعدِي، وعن عُمر بنِ ذَرٍّ أنه كانَ يقول: اعملوا لأنفسكم رحمكمُ الله في هذا الليلِ

وسوادِهِ، فإنَّ المغبُونَ منْ غُبِنَ خيرَ اللَّيلِ والنَّهارِ، والمحرومَ منْ حُرمَ خيرَهما.

إنَّما جُعِلا سبيلاً للمؤمنينَ إلى طاعةِ ربِّهم، ووبالاً على الآخرين للغَفْلة عن

أنفسِهِم، فأحيُوا للَّهِ أنفسكُم بذكر، فإنَّما تحيا القلوبُ بذكرِ اللَّه عزَّ وجلَّ.

عن أبي موسى - رضي الله عنه -، قال: قالَ رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "مثلُ الذي يذكرُ ربَّهُ والذي لا يذكرُ ربَّه، مثلُ الحيِّ والميِّتِ ".

كم من قائم للَّه في هذا الليل قد اغْتبَطَ بقيامِهِ في ظُلمة حُفرتِهِ، وكم من

نائم في هذا الليلِ قد ندِم عَلى طُول نومِهِ، عندما يرى من كرامةِ اللَّه عزَّ

وجلَّ للعابدينَ غدًا. فاغتنمُوا ممرَّ السَّاعاتِ والليالي والأيامِ، رحمكم اللَّهُ.

وعن داودَ الطائيِّ أنَّه قال: إنَّما اللَّيلُ والنَّهارُ مراحلُ، ينزلُها الناسُ مرْحلةً

مرْحلةً، حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعتَ أن تُقدِّمَ في

كلِّ مرْحلةٍ زادًا لما بين يديْها فافْعَلْ، فإنَّ انقطاعَ السفرِ عن قريبٍ ما هو.

والأمرُ أعجلُ من ذلكَ.

فتزوَّدْ لسفرِكَ واقضِ ما أنتَ قاضٍ من أمركَ فكأنَّك بالأمرِ قد بغَتَكَ.

قال ابنُ أبي الدنيا: وأنشدنا محمودُ بن الحسين:

مضى أمسُك الماضِي شهيدًا مُعدَّلاً. . . وأعقبَهُ يومٌ عليك جديدُ

فيومُك إن أغنيتَهُ عادَ نفعُهُ. . . عليكَ وماضي الأمسِ ليس يعودُ

<<  <  ج: ص:  >  >>