للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفاضت عيناه، وقال: (هذه رحمة جعلها الله فى قلوب عباده) ، وبكى (صلى الله عليه وسلم) لقتل جلة الإسلام وفضلاء الصحابة، وتوجع لفقدهم، فإذا كان المتَّبَع به نرجو الخلاص من ربنا، وقد كان حزن بالمصيبة، وأظهر ذلك بجوارحه ودمعه، وأخبر أن ذلك رحمة جعلها الله فى قلوب عباده، فقد صح قول من وافق ذلك، وسقط ما خالفه.

- بَاب مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: الحزن: الْقَوْلُ السَّيِّئُ وَالظَّنُّ السَّيِّئُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ) [يوسف: ٨٦] . / ٤٣ - فيه: أَنَس، اشْتَكَى ابْنٌ لأبِى طَلْحَةَ، فَمَاتَ، وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شَيْئًا، وَنَحَّتْهُ فِى جَانِبِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: كَيْفَ الْغُلامُ؟ قَالَتْ: هَدَأ نَفْسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ، فَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ، قَالَ: فَبَاتَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِىَّ، (صلى الله عليه وسلم) ، بِمَا كَانَ منها، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِى لَيْلَتِكُمَا) . قَالَ سُفْيَانُ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ. قال المؤلف: أما من لم يظهر حزنه عند المصيبة، وترك ما أبيح له من إظهار الحزن الذى لا إسخاط فيه لله تعالى، واختار الصبر كفعل أم سليم، ومن قهر نفسه وغلبها على الصبر، ممن تقدم ذكره فى الباب قبل هذا، فهو آخذ بأدب الرب فى قوله: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) [النحل: ١٢٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>