للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالثَّانِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالثَّالِثُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ مَا لَمْ يَتُبْ مِنْ ذُنُوبِهِ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الذُّنُوبِ.

وَالرَّابِعُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ حَتَّى يَكْتُبَ وَصِيَّةً صَحِيحَةً لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ مِنْ لَيْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ.

وَيُقَالُ: النَّاسُ يُصْبِحُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ، صِنْفٌ فِي طَلَبِ الْمَالِ، وَصِنْفٌ فِي طَلَبِ الْإِثْمِ، وَصِنْفٌ فِي طَلَبِ الطَّرِيقِ، فَأَمَّا مَنْ أَصْبَحَ فِي طَلَبِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ فَوْقَ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَثُرَ الْمَالُ، وَمَنْ أَصْبَحَ فِي طَلَبِ الْإِثْمِ لَحِقَهُ الْهَوَانُ، وَمَنْ أَصْبَحَ فِي طَلَبِ الطَّرِيقِ، آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الرِّزْقَ وَالطَّرِيقَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَصْبَحَ لَزِمَهُ أَمْرَانِ: الْأَمْنُ، وَالْخَوْفُ، فَأَمَّا الْأَمْنُ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ آمِنًا بِمَا تَكَفَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَمْرِ رِزْقِهِ، وَأَمَّا الْخَوْفُ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ خَائِفًا فِيمَا أُمِرَ بِهِ حَتَّى يُتِمَّهُ، فَإِذَا فَعَلَ هَذَيْنِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْقَنَاعَةُ بِمَا يُعْطِيهِ.

وَالثَّانِي: حَلَاوَةُ طَاعَتِهِ.

وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ إِذَا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: «أَصْبَحْنَا ضُعَفَاءَ مُذْنِبِينَ نَأْكُلُ أَرْزَاقَنَا، وَنَنْتَظِرُ آجَالَنَا»

وَعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: كَيْفَ يُصْبِحُ مَنْ كَانَ مُنْقَلَبُهُ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ، وَلَا يَدْرِي إِلَى الْجَنَّةِ يَصِيرُ أَمْ إِلَى النَّارِ وَذُكِرَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، قِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا رُوحَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ لَا أَمْلِكُ مَا أَرْجُو، وَلَا أَسْتَطِيعُ دَفْعَ مَا أَخَافُ وَأَصْبَحْتُ مُرْتَهَنًا بِعَمَلِي، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدِ غَيْرِي، وَلَا فَقِيرَ أَفْقَرُ مِنِّي وَقِيلَ لِعَامِرِ بْنِ قَيْسٍ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ وَقَدْ أَوْقَرْتُ نَفْسِي مِنْ ذُنُوبِي، وَأَوْقَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَعْمَائِهِ، فَلَا أَدْرِي أَعِبَادَتِي تَكُونُ تَمْحِيصًا لِذُنُوبِي، أَوْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ

<<  <   >  >>