للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(قال القابلون: تغليظ الزجر لا ضابط له، وقد حصلت مصلحة الزجر بالحد، وكذلك سائر الجرائم جعل الشارع مصلحة الزجر عليها بالحد (وإلا فلا تطلق نساؤه (١) ، ولا يؤخذ ماله، ولا يعزل عن مناصبه ولا تسقط روايته) لأنه أغلظ في الزجر، وقد أجمع المسلمون على قبول رواية أبي بكرة رضي الله عنه، وتغليظ الزجر من الأوصاف التي لا تنضبط، وقد حصل إيلام القلب والبدن والنكاية في النفس بالضرب الذي أخذه من ظهره.

وأيضاً فإن رد الشهادة لا ينزجر به أكثر القاذفين، وإنما يتأثر بذلك وينزجر أعيان الناس وقلّ أن يوجد القذف من أحدهم، وإنما يوجد غالباً من الرّعاع والسقط ومن لا يبالي برد شهادته وقبولها.

وأيضاً فكم من قاذف انقضى عمره وما أدى شهادة عند حاكم، ومصلحة الزجر إنما تكون بمنع النفوس ما هي محتاجة إليه وهو كثير الوقوع منها. ثم هذه المناسبة يعارضها ما هو أقوى منها: فإن رد الشهادة أبداً تلزم منه مفسدة فوات الحق على الغير وتعطيل الشهادة في محل الحاجة إليها، ولا يلزم مثل ذلك في القبول فإنه لا مفسدة فيه في حق الغير من عدل تائب قد أصلح ما بينه وبين الله، ولا ريب أن اعتبار مصلحة يلزم منها مفسدة أولى من اعتبار مصلحة يلزم منها عدة مفاسد في حق الشاهد وحق المشهود له وعليه، والشارع له تطلعٍ إلى حفظ الحقوق على مستحقيها بكل طريق وعدم إضاعتها، فكيف يبطل حقا قد شهد به عدل مرضي مقبول الشهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى دينه رواية وفتوى) .

ونستطيع أن نلخص وجوه التعقب هذه فما يلي:

١- أن مصلحة الزجر متحصلة بالحد. وتغليظ الزجر وصف لا ينضبط فلا يعلق له حكم.


(١) الظاهر أن صحة العبارة هكذا (وإلا فلتطلق نساؤه، وليؤخذ ماله، وليعزل عن مناصبه ولتسقط روايته) وبها ينتظم الكلام والله أعلم.

<<  <   >  >>