للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاعتبار من قليل الخمر من العنب الذي لا يسكر والله أعلم.

ولا شك أن ما اختاره ابن القيم وانتصر له هو الذي يؤيده النص الصحيح. والعقل الصريح والنظر الرجيح. وإن قول الكوفيين هذا من غرائب الآراء وأشدها بعداً عن هدي الشريعة ودلها وهو يفتح باب إفساد العقول. لهذا اشتد النكير من أهل العلم عليهم وقابلوه بالرفض والنقض.

ومن هؤلاء العلماء الذين نقدوا هذه المقالة وكشفوا عنها. القرطبي رحمه الله تعالى في (تفسيره) (١) ، وقد أطال فيها المقال وذكر كلاماً حسناً لأحد شيوخه فقال (٢) :

(قال شيخنا الفقيه الإمام أبو العباس أحمد (٣) رضي الله عنه: العجب من المخالفين في هذه المسألة فإنهم قالوا: إن القليل من الخمر المعتصر من العنب حرامٍ ككثيره. وهو مجمع عليه. فإذا قيل لهم: فلم حرم القليل من الخمر وليس مذهبا للعقل؟ فلا بد أن يقال: لأنه داعية إلى الكثير، أو للتعبد، فحينئذٍ يقال لهم: كلّ ما قدرتموه في قليل الخمر هو بعينه موجود في قليل النبيذ فيحرم أيضاً. إذ لا فارق بينهما إلا مجرد الاسم إذا سلم ذلك. وهذا القياس هو أرفع أنواع القياس. لأن الفرع فيه مساوٍ للأصل في جميع أوصافه ... ثم العجب من أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله فإنهم يتوغلون في القياس ويرجحونه على أخبار الآحاد. ومع ذلك فقد تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسنّة والإجماع من صدور الأمة.


(١) انظر: تفسير القرطبي ٦/٢٩٣- ٢٩٦.
(٢) انظر: تفسير القرطبي ٦/٢٩٥.
(٣) لم أقف له على ترجمة.

<<  <   >  >>