للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى يخرجه منها، وطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى توفيه رزقه» . وقال الحسن البصري: «بينا أنا أطوف بالبيت، إذا أنا بعجوز متعبدة، فقلت:

«من أنت» ؟ فقالت: «من بنات ملوك غسان» ، قلت: «فمن أين طعامك» ؟ قالت: «إذا كان آخر النهار، جاءتني امرأة متزينة، فتضع بين يدي كوزاً من ماء، ورغيفين، قلت لها: «أتعرفينها» ؟ قالت: «اللهم لا» . قلت: «هي الدنيا خدمت ربك، جل ذكره، فبعث إليك الدنيا فخدمتك» .

وضده، زعموا أن زياد أبن أبيه مر بالجدة، فنظر إلى دير هناك، فقال لخادمه: «لمن هذا» ؟ قيل له: «هذا دير حرقة بنت النعمان بن المنذر» ، فقال: «ميلوا بنا إليه نسمع كلامها» ، فجاءت إلى وراء الباب فكلمها الخادم فقال لها: «كلمي الأمير» ، فقالت: «أأوجز أم أطيل» ؟ قال: «بل أوجزي» ، قالت: «كنا أهل بيت طلعت الشمس علينا وما على الأرض أحد أعز منا، وما غابت تلك الشمس حتى رحمنا عدونا» ، قال: فأمر لها بأوساق من شعير، فقالت: «أطعمتك يد شبعاء جاعت، ولا أطعمتك يد جوعاء شبعت» ، فسر زياد بكلامها، فقال لشاعر معه: قيد هذا الكلام ليدرس، فقال:

سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل ... فتىً ذاق طعم الخير منذ قريب

ويقال: إن فروة بن إياس بن قبيصة انتهى إلى دير حرقة بنت النعمان، فألفاها وهي تبكي، فقال لها: «ما يبكيك» ؟ قالت: «ما من دار امتلأت سرورا إلّا امتلأت بعد ذلك تبوراً» ، ثم قالت:

فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف

فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف

قال: وقالت حرقة بنت النعمان «٢» لسعد بن أبي وقاص: «لا جعل الله

<<  <   >  >>