للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦٠ - الطائفة الظاهرة]

يقول السائل: من هي الطائفة الظاهرة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) وأين توجد هذه الطائفة؟

الجواب: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ذكر الطائفة الظاهرة التي تبقى في هذه الأمة المحمدية متمسكةً بدينها وقائمةً على أمر الله حتى قيام الساعة، وهذه مجموعة عطرة من هذه الأحاديث: ١. عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون. رواه البخاري. ٢. وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال ناسٌ من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون. رواه البخاري ومسلم. ٣. وعن عمير بن هانئ أنه سمع معاوية رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك. قال عمير فقال مالك بن يخامر: قال معاذ وهم بالشام، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم بالشام. رواه البخاري. ٤. وعن حميد قال سمعت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يخطب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسمٌ ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله ٥. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة. رواه مسلم. إن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في ذكر الطائفة الظاهرة تؤكد لنا أن هذه الطائفة كانت موجودة على مر العصور والأيام ولم ينقطع وجودها في أي عصر من العصور. [اعلم أن أول صفة تتميز بها الطائفة المنصورة عن الطوائف الضالة الأخرى هي: صفة الاستمرارية أي إن الطائفة المنصورة مستمرة بوجودها ومقوماتها وأصولها ودعوتها ومنهجها ورجالها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ساعتنا هذه بل إلى يوم القيامة ودليل هذا قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) سورة التوبة الآية ١٠٠، ففي قوله تعالى: (السابقون الأولون) إشارة إلى تاريخ بدء هذه الجماعة ... وفي قوله تعالى: (والذين اتبعوهم) إشارة إلى استمرارية هذا الوجود وعموميته وعدم انقطاعه وأن ثمة رجالاً مستمرين على هذا السبيل وأن قوام هذا الاستمرار هو الاتباع (اتبعوهم) ... ويؤيد هذا ويوضحه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) ففي قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال) دلالة واضحة وبينة ناصعة على صفة الاستمرارية للطائفة المنصورة] صفات الطائفة المنصورة ص١٣-١٤. وهذه أقوال العلماء في بيان هذه الطائفة الظاهرة: ١. قال الإمام البخاري: [باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ١٣/٣٥٨. ٢. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وأخرج الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟] فتح الباري ١٣/٣٥٩. ٣. وقال عبد الله بن المبارك: [هم عندي أصحاب الحديث] . ٤. وقال أحمد بن سنان الثقة الحافظ: [هم أهل العلم وأصحاب الآثار] سلسلة الأحاديث الصحيحة ١/٣/١٣٦-١٣٧. ٥. وقال القاضي عياض: [إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث] إتحاف الجماعة ١/٣٣٠. ٦. وقال الإمام النووي: [وأما هذه الطائفة فقال البخاري: هم أهل العلم , وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم. قال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث. قلت: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٥٨-٥٩. ٧. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [وأما الطائفة المنصورة فقيل هم أصحاب الحديث وقيل هم العباد وقيل هم المناضلون على الحق بألسنتهم وقيل هم المجاهدون في الثغور بأسنتهم] عارضة الأحوذي ٥/٣٤. وانظر المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٣/٧٦٣. وأما محل هذه الطائفة فقد جاء في الروايات أنها في الشام: فقد ورد في صحيح البخاري في حديث معاوية أن معاذ بن جبل قال: هم بالشام. صحيح البخاري مع الفتح ١٣/٥٤٧. وورد أنهم أهل الغرب ففي صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) . قال الإمام النووي: [قوله: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) قال علي بن المديني: المراد بأهل الغرب العرب، والمراد بالغرب الدلو الكبير لا ختصاصهم بها غالباً. وقال آخرون: المراد به الغرب من الأرض، وقال معاذ: هم بالشام. وجاء في حديث آخر هم ببيت المقدس، وقيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك. قال القاضي: وقيل: المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلد، وغرب كل شيء حده] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٦٠. وورد أنها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس فقد ورد في حديث أبي أمامة عند الطبراني قوله صلى الله عليه وسلم: (هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) . وورد أنها في دمشق وبيت المقدس فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم خذلان من خذلهم إلى يوم القيامة) رواه الطبراني في الأوسط وفيه الوليد بن عبّاد وهو مجهول كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٧/٢٨٨. قال الشيخ حمود التويجري: [وقد اختلف في محل هذه الطائفة: فقال ابن بطال: [إنها تكون في بيت المقدس كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة ?: (قيل: يا رسول الله أين هم؟ قال بيت المقدس) وقال معاذ ?: هم بالشام. وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائماً، بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة ... فعلى هذا فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تفترق وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها. قلت: الظاهر من حديث أبي أمامة وقول معاذ أن ذلك إشارة إلى محل هذه الطائفة في آخر الزمان عند خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ويدل على ذلك ما تقدم ذكره من حديث أبي أمامة الذي رواه ابن ماجة وفيه: (فقالت أم شريك: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل وجلهم يومئذ ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح ... فأما في زماننا وما قبله فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض كما يشهد له الواقع من حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم وتكثر في بعض الأماكن أحياناً ويعظم شأنها ويظهر أمرها ببركة الدعوة إلى الله تعالى وتجديد الدين] اتحاف الجماعة ١/٣٣٢-٣٣٤. قال الإمام النووي: (... ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٥٨-٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>