للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٩٣ - حكم اقتناء الكلاب في البيوت]

يقول السائل: إن لهم جيراناً يقتنون كلباً في بيتهم ويعتنون به عناية كبيرة وينتقل الكلب في غرف البيت ويلعب مع أهل البيت ويركبونه في سيارتهم عند خروجهم من البيت ويشترون له طعاماً خاصاً فما قولكم في ذلك؟

الجواب: إن اقتناء الكلاب في البيوت لغير حاجة مشروعة من التقليد الأعمى لحضارة الغرب التي صارت تعتني بالكلاب في بلادها أكثر من عنايتها بالإنسان في آسيا وإفريقيا فالكلاب في أوروبا وأمريكا لها قيمة كبيرة فتراهم يهتمون بشؤونها اهتماماً عظيماً وينفقون عليها المليارات من الدولارات فقد جاء في إحصائية نشرت قبل حوالي عشر سنوات أن ما أنفق على الكلاب والقطط في أمريكا قد بلغ ثلاثة مليارات من الدولارات؟!! والكلاب في الغرب محترمة ومرفهة وتجد الكلاب من الطعام ما لا يجده ملايين البشر في إفريقيا وآسيا وتقام للكلاب الحفلات والمسابقات لاختيار أجمل كلب وتنشأ لها فنادق ومستشفيات وتستعمل الكلاب في ديار الغرب لأمور كثيرة ومنها أمور تتعلق بالشذوذ الجنسي؟!! وأمور يندى الجبين من ذكرها. هذا شيء قليل من اهتمام الغربيين بالكلاب والذي أصبح مثلاً يحتذى به في ديار المسلمين مع الأسف الشديد. ومعلوم أن الإسلام قد بين ووضح الأحكام الشرعية المتعلقة بالكلاب واقتنائها. فقد جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو ضارٍ نقص من عمله كل يوم قيراطان) رواه مسلم، والكلب الضاري هو كلب الصيد كما قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم ٤/١٨٣. وفي رواية أخرى عند مسلم: [من اتخذ كلباً إلا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط] . وعن سفيان بن أبي زهير وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله قيراط) رواه البخاري ومسلم، وغير ذلك من الأحاديث. وقد أخذ جمهور أهل العلم من هذه الأحاديث تحريم اقتناء الكلاب لغير حاجة مشروعة. انظر المغني ٤/١٩١. ككلاب الصيد والحراسة وكلاب تتبع أثر اللصوص أو التي تكشف عن المخدرات ونحوها وأما عدا ذلك فيحرم اقتناؤها كما تدل على ذلك الأحاديث السابقة. قال الحافظ أبو العباس القرطبي: [واختلف في معنى قوله: (نقص من عمله كل يوم قيراطان) وأقرب ما قيل في ذلك قولان: أحدهما: أن جميع ما عمله من عمل ينقص لمن اتخذ ما نهي عنه من الكلاب بإزاء كل يوم يمسكه فيه جزءان من أجزاء ذلك العمل وقيل: من عمل ذلك اليوم الذي يمسكه فيه وذلك لترويع الكلب للمسلمين وتشويشه عليهم بنباحه ومنع الملائكة من دخول البيت ولنجاسته على ما يراه الشافعي. الثاني: أن يحبط من عمله كله عملان أو من عمل يوم إمساكه - على ما تقدم - عقوبة له على ما اقتحم من النهي والله تعالى أعلم] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٤/٤٥١-٤٥٢. والكلب نجس العين على الراجح من أقوال أهل العلم وهو قول الشافعية والحنابلة وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وغيرهم. انظر المجموع ٢/٥٦٧، المغني ١/٣٦. ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) رواه مسلم. فهذا الحديث يدل على نجاسة الكلب لأنه لا غسل إلا من حدث أو نجس وليس هنا حدث فتعين النجس كما قال الصنعاني في سبل السلام ١/٢٢. ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر وخبره صدق وحق أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب فقد ثبتت الأحاديث في ذلك ومنها عن أبي طلحة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعة يأتيه فيها فجاءت تلك الساعة ولم يأته وفي يده عصا فألقاها من يده وقال: ما يخلف الله وعده ولا رسله. ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره، فقال: يا عائشة متى دخل هذا الكلب ههنا؟ فقالت: والله ما دريت فأمر به فأخرج فجاء جبريل، فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم: واعدتني فجلست لك فلم تأت. فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة) رواه مسلم. وعن ابن عباس قال: (أخبرتني ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوماً واجماً، فقالت ميمونة: يا رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل كان وعدني أن يلقاني فلم يلقني أم والله ما أخلفني. قال: فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك على ذلك ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا فأمر به فأخرج ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه فلما أمسى لقيه جبريل فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة. قال: أجل ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير ويترك كلب الحائط الكبير) رواه مسلم. قال الإمام النووي قوله صلى الله عليه وسلم: [ (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) قال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى. وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات ولأن بعضها يسمى شيطاناً كما جاء به الحديث والملائكة ضد الشياطين ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى للشيطان وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في كل حال لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٢٦٩-٢٧٠. وقد أيد العلم الحديث ما ورد في السنة النبوية من النهي عن اقتناء الكلاب لما في ذلك من أضرار كثيرة على صحة الإنسان. [فالكلب ناقل لبعض الأمراض الخطيرة إذ تعيش في أمعائه دودة تدعى المكورة المقنفذة تخرج بيوضها مع برازه وعندما يلحس دبره بلسانه تنتقل هذه البيوض إليه ثم تنتقل منه إلى الأواني والصحون وأيدي أصحابه ومنها تدخل إلى معدتهم فأمعائهم فتنحل قشرة البيوض وتخرج منها الأجنة التي تتسرب إلى الدم والبلغم وتنتقل بهما إلى جميع أنحاء الجسم وبخاصة إلى الكبد لأنه المصفاة الرئيسة في الجسم فتتوضع فيه كما قد تتوضع في الدماغ أو الرئتين أو العظام أو العضلات أيضاً. ولكن توضعها في الكبد أكثر ثم تنمو في العضو الذي تتوضع فيه وتشكل كيساً مملوءً بالأجنة الأبناء وبسائل صاف كماء الينبوع وقد يكبر الكيس حتى يصبح بحجم رأس الجنين وقد تكون الأكياس متعددة. ويسمى المرض داء الكيسة المائية وتكون أعراضه على حسب العضو الذي تتوضع فيه وأخطرها ما كان في الدماغ أو في عضلة القلب. ولم يكن له علاج سوى العملية الجراحية ثم ظهرت بعض الأدوية التي تفيد فيه وإن كانت لا تزال تحت التجربة وثمة داء آخر خطر ينقله الكلب وهو داء الكلب الذي سببه حمة راشحة فيروس - يصاب به الكلب أولاً ثم ينتقل منه إلى الإنسان عن طريق لعاب الكلب بالعض أو بلحسه جرحاً في جسم الإنسان وقد ينتقل المرض قبيل ظهور أعراض المرض على الكلب أو بعد ظهورها ومتى ظهرت أعراض الداء على الإنسان أصبح الموت محتماً ١٠٠% إلا بمشيئة الله تعالى لذلك يلجأ إلى إعطاء الإنسان اللقاح الواقي من المرض منذ أن يعضه كلب حتى يثبت عدم إصابته الكلب بداء الكلب] الحقائق الطبية في الإسلام ص ١٠٦. ونشرت مجلة العربي في عددها رقم ٣٩٥ لسنة ١٩٩١ تحت عنوان " في بيتنا كلب " ما يلي: من ضمن الأمراض التي يصاب بها الكلب ما يأتي: ١. الكَلَبْ: مرض يصيب الكلب بفعل فيروس خاص تستهويه الأنسجة العصبية في الجسم فيصاب بالجنون أو السعار من مظاهره التيه والشرود واحمرار في العينين مع فك متدل ولعاب يسيل فإذا أصاب الإنسان يصبه بتشنجات وهذيان وتكون خاتمته الموت الزؤام حيث لا علاج إلا الوقاية. ٢. داء اللينتمانيا: طفيليات وحيدة الخلية إذا ما أصابت الإنسان تمرضه بإحدى صورتين: أ. جلدية فينفرج الجلد ويعاني من قرحة مزمنة. ب. إصابة الأحشاء فيعاني المريض بها من حمى وصداع وتضخم في الكبد والطحال. وهذه الطفيليات تنقلها بعوضة صغيرة والكلب أحد ضحايا المرض لجانب الإنسان فلهذا هو مصدر خطر كامن لهذا الداء. ٣. الديدان الشرطية. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز اقتناء الكلاب إلا للحاجات التي أقرها الشرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>